تعزيز التعاون كان بمثابة «قنبلة نوويّة فجّرها الروس في وجه الغرب»طهران ــ محمد شمص
يعتقد بعض الايرانيّين أن مصالح دولتهم تكمن في مواجهة بدأت فعلاً بين موسكو والغرب على خلفية حرب جورجيا، التي وُصفت بأنها بداية حرب باردة جديدة، أو على أقل تقدير، رسمت خلالها موسكو خطوطاً حمراء أمام تمدّد الغرب نحو حديقتها الخلفية لشلّ أيّ تحرّك لها عبر نشر نظام الدرع الصاروخية.
والأهم برأي عدد من المراقبين الإيرانيين، أنّ السلطات الروسية حدّدت بعد المنازلة الأخيرة، حاجزاً أمام مواصلة الضغوط على إيران، التي يري فيها جنرالات روس أنها أهم، وربما آخر مواقع روسيا المتقدمة في مواجهة الغرب.
وبعد مرور نحو شهرين على حرب القوقاز، تلخّص مصادر إيرانية تأثيرات الأحداث الكبيرة على إيران بالشكل الآتي:
1ــ إنّ أزمة جورجيا شغلت الغرب، ولو موقتاً، عن الملف النووي الإيراني، وأصبح جلّ اهتمامه بالطبع بعد الأزمة المالية الراهنة، هو تطويق ذيول الحرب الجورجية وفرملة تداعياتها وارتداداتها الخطيرة على الساحة الدولية.
2ــ إنّ الردّ الروسي على الدعم الأميركي لجورجيا، تُرجم بتتويج مرحلة جديدة من التعاون الروسي ــ الإيراني النووي، ارتقى إلى المستوى السياسي من خلال موقف موسكو المتشدد والرافض لإصدار أيّ قرار جديد من مجلس الأمن الدولي لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والتجارية على طهران. وهنا لا بد من ملاحظة الفارق في التعاطي الروسي، إذ إن موسكو سبق أن شاركت في استصدار 3 قرارت ضد طهران. بينما بعد حرب جورجيا، سارع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين إلى تحذير الغرب بوقف تعاون بلاده في المشكلة النووية الإيرانية.
3ــ إنّ تحرك أساطيل البحرية الأميركية باتجاه البحر الأسود، أثار حفيظة الروس، فأرسلوا بدورهم سفنهم إلى البحر الكاريبي لإجراء مناورات، وإلى مياه الخليج والبحر الأبيض المتوسط. تطوّرات ميدانية تزامنت مع معلومات تشير إلى مخطط روسي يقضي بإنشاء قواعد عسكرية استراتيجية جديدة في منطقة القوقاز والشرق الأوسط، أهم مصدرين للنفط والطاقة في العالم حالياً. ويعتقد مراقبون في طهران أنّ إيران قد تستضيف اثنتين من هذه القواعد، واحدة في منطقة أذربيجان الشرقية الإيرانية، والثانية في جزيرة قشم في مياه الخليج.
4ــ إنّ روسيا التي تنظر بقلق شديد إلى سعي حلف شمال الأطلسي لضمّ جورجيا وأوكرانيا، يهمّها الاستفادة من ورقة إيران لابتزاز الغرب، عبر إدخالها في منظومة أمنية ــ اقتصادية مشتركة، قد تتبلور وتصل ألى تفعيل مستوى تحالف شنغهاي. وفي السياق، تنبع الآمال من هذا التحالف الذي قد يمثّل، بحسب البعض، غطاءً سياسياً وأمنياً لإيران يحميها من أي ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية محتملة.
5ــ هذا النظام الأمني المشترك بين موسكو وطهران، من لوازمه تزويد إيران بمنظومات أسلحة حديثة. ويؤكد وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار أنه تم التوقيع على صفقة أسلحة جدية لحكّام إيران، تشمل منظومة صواريخ «أس 300» المتطورة، قبل أشهر، وأن موسكو وعدت بتسليم طهران هذه المنظومة، لكن لم يكشف عن تاريخ تنفيذ هذه الصفقة.
وفي حال صِدق هذا الكلام، فإنّ هذا الأمر سيقلب المعادلات العسكرية في المنطقة، بحسب خبراء عسكريين روس، وهو ما تدعمه تقارير نشرت أخيراً تفيد بأنّ المقاتلات الروسية استهدفت قاعدتين عسكريتين جورجيتين كانتا ستستخدمان منطلقاً لشنّ الطائرات الإسرائيلية هجومها على منشآت إيران النووية، باعتبار أنّ هاتين القاعدتين توفّران نحو ثلاث ساعات من الوقت على المقاتلات الإسرائيلية لقربهما من الأراضي الإيرانية.
وحسبما نُشر عن الموضوع، فإنّ إسرائيل كانت ستوفّر على نفسها استخدام الأجواء العراقية لبلوغ الأهداف الموضوعة. وتضيف المعلومات أنّ العسكريّين الروس فكّكوا من هاتين القاعدتين منصّات إسرائيلية مخصّصة للتجسّس. حتّى إنّ مصادر مطلعة أشارت إلى أن الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لموسكو الأسبوع الماضي، هدفت أساساً إلى معالجة الوضع مع الروس، وترميم خسارة دولته، على عكس ما أُشيع عن الهدف المعلن من الزيارة، وهو إقناع الروس بوقف المزيد من صفقات الأسلحة إلى إيران وسوريا.
هذا الاتحاد والتعاون الأمني والسياسي والاقتصادي المستجدّ بين روسيا وإيران، هو بمثابة «قنبلة نووية فجّرها الروس بوجه الغرب»، كما يصفها محللون إيرانيون.
لكن كيف يمكن الإيرانيين أن يستفيدوا من هذه الفرص وقطف ثمارها؟ وكيف ستتعاطى طهران مع موسكو في المرحلة المقبلة؟
أسئلة يواصل أصحاب القرار في المطبخ الإيراني النقاش فيها وإنضاجها، بالطبع على طريقتهم، كما السجاد الإيراني بصبر وهدوء وحنكة.