رغب الرئيس الفنلندي السابق مارتي أهتيساري في الحصول على جائزة نوبل للسلام، وها قد تحقق حلمه، رغم أن ظلال الاستعمار لم تنتهِ بعدكما غاص الكاتب الفرنسي جان ـ ماري غوستاف لو كليزيو في الحضارات البعيدة، فكانت بداية نهاية رحلته أنه فاز بجائزة نوبل للآداب، جال الرئيس الفنلندي السابق مارتي أهتيساري بين القارات، باذلاً أقصى جهوده لحلحلة الأزمات المتناثرة في بقاع الأرض، فمنحته لجنة جوائز «نوبل» النرويجية، جائزة نوبل للسلام للعام الحالي.
رئيس اللجنة أولي دانبولت ميوس، قال إن «أهتيساري كوفئ على جهوده الكبرى في عدة قارات على مدى ثلاثة عقود بهدف حل النزاعات الدولية»، مضيفاً إن «هذه الجهود أسهمت في وجود عالم أكثر سلماً، وفي تحقيق الإخاء بين الأمم من وحي مبادئ ألفرد نوبل».
وحاولت اللجنة استباق الانتقادات قائلة إنها «أعطت مراراً جائزة نوبل للسلام للوسطاء في السياسة الدولية، وأهتيساري هو وسيط دولي رائع». الانتقادات بلا شك ستطاول مواقفه، وخصوصاً حين وصف الاحتلال الأميركي للعراق بـ «العمل الاخلاقي».
شخصية أهتيساري تظهر للمراقب على أنها «متحفظة وبعيدة عن الأضواء». إلّا أن الكثيرين ممّن عملوا معه أشادوا بسحره ومرحه، وخصوصاً خلال قيادته عمليات التفاوض.
جذور الحاضر والمستقبل تنبع من الماضي. في طفولته، حيث ولد أهتيساري في مدينة فيبوري، يستذكر حياة الترحال التي بدأت حين خسر مدينته. يقول «خسرناها حين هاجم الاتحاد السوفياتي دولتنا»، ليتحول إلى طفل مشرّد. انتقل مع والدته من عائلة إلى أخرى قبل أن يستقرا في أقصى فنلندا. يضيف «هذه التجربة التي يخضع لها الملايين من البشر، زرعت في نفسي الرغبة في تحقيق السلام في العالم».
هي عقدة طفولة إذاً، كبرت في مخيلته بالتوازي مع نضج خبرته الحياتية، التي بدأها معلماً في المرحلة الابتدائية، قبل أن ينتقل للعمل في السلك الدبلوماسي عام 1965. عقدة قد تكون آثارها ممتدة إلى صورة الروسي المحتلّ، فكان قد تولى وضع خطة عرفت باسمه لتحقيق الاستقلال الذاتي لإقليم كوسوفو الصربي ضمن رقابة دولية، والحفاظ على خصوصية الأقلية الصربية في الإقليم. خطة عارضتها صربيا وموسكو. إلّا أن الإقليم تمكّن في نهاية المطاف من الاستقلال نتيجة الدعم الأميركي والغربي. في المقابل، لم يعمل على تحقيق الاستقلال لأقاليم انفصالية أخرى.
نهاية جهوده الدبلوماسية ما قبل الجائزة، تجلّت في تحقيق استقلال كوسوفو ومحاولة إيجاد نهاية سلمية للمشاكل في العراق، إضافة إلى الإسهام في حل النزاعات في إيرلندا الشمالية وآسيا الوسطى والقرن الأفريقي.
إلّا أن تجربته الدبلوماسية بدأت حين عمل سفيراً في تنزانيا بين عامي 1973 و1976، ليعيّن بعدها مفوضاً لدى الأمم المتحدة لشؤون ناميبيا عام 1977، ثم ممثلاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة في البلد نفسه، الذي واكبه حتى الاستقلال عام 1990.
وشهدت التسعينيات عودته إلى أوروبا، وبداية 15 عاماً من النشاط المتواصل في سبيل السلام في البلقان. وترأس مجموعة العمل في البوسنة والهرسك للمؤتمر الدولي بشأن يوغوسلافيا السابقة بين أيلول عام 1992، ونيسان عام 1993. وتولّى في العام نفسه منصب المستشار الخاص للمؤتمر الدولي بشأن يوغوسلافيا السابقة، قبل أن يعين ممثلاً خاصاً للأمم المتحدة في يوغوسلافيا.
أما في عام 1991، فانتخب رئيساً لفنلندا لمدة ست سنوات. وقبل عام من انتهاء ولايته الرئاسية، تمكّن بمساعدة رئيس الوزراء الروسي السابق فيكتور تشيرنوميردين، من إقناع الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش بوقف عملياته العسكرية في كوسوفو ضد الانفصاليين الألبان، في مقابل وقف ضربات حلف شمالي الأطلسي.
وقبل ثلاث سنوات، كان له ولمنظمة «كرايزيس ماناجمانت إنيشياتيف» (مبادرة إدارة الأزمات) دور مركزيّ في حل أزمة أتشيه في إندونيسيا. وأدت وساطته إلى التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة الإندونيسية والمتمردين الانفصاليين السابقين من حركة أتشيه الحرة، لينهي نزاعاً أودى بحياة 15 ألف قتيل منذ عام 1976.
ماذا بعد الجائزة؟ يعتبر أهتيساري أن الوقت قد حان لمعالجة أزمة البطالة «التحدي الأكبر في العالم»، قائلاً إن «التقديرات تشير إلى أنه في العقد الآتي، سيكون هناك 1.3 مليار شاب، ما دون الثلاثين من العمر، جاهزون للدخول في سوق العمل، فيما ستكون الدول قادرة على توظيف 300 مليون شخص فقط. ماذا نفعل بنحو مليار شاب سيفقدون الأمل في الحصول على عمل وعلى حياة أفضل. سيتحولون إلى هدف سهل للمجرمين والإرهابيين».
(الأخبار)