strong>كان ونائبه على علم بخطّة «الكردستاني» تنفيذ الهجوم قبل شهر من وقوعه!إذا كانت رواية صحيفة «طرف» التركية عن تفاصيل عملية «أق توتون» صحيحة، فيجب على الحكّام الأتراك ألّا يلوموا أكراد العراق، ولا الاستخبارات الأميركيّة، بل قادة جيشهم الذين كانت تفاصيل الهجوم بحوزتهم قبل تنفيذه

أرنست خوري
منذ الرابع من تشرين الأول الجاري، أي غداة استهداف مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» موقع «أق توتون»، لم تتوقّف بورصة التحليلات الصحافية التركية التي ذهبت معظمها إلى خلاصة واحدة: لا بدّ من وجود تقصير في داخل الجيش.
وعلى وقع القصف المدفعي والغارات التركية المتواصلة على شمال العراق، كانت رواية قاسية تتسلّل إلى صفحات «حرييت» (المقربة من العلمانيين والعسكر): قائد الموقع الحدودي الأخطر في محافظة هاكاري كان يحضر حفل زفاف في الوقت الذي حصل فيه هجوم «الكردستاني».
مرّ الخبر مرور الكرام من دون تعليقات تُذكَر (على الأرجح بعد توصية من العسكر بالتزام الصمت). في هذا الوقت، رفض الجيش الاعتراف بأي تقصير. دعمته الحكومة على قاعدة أنّ البلاد تعيش حالة شبه طوارئ وأنه «مطلوب الوحدة»، على حدّ تعبير رجب طيب أردوغان. بعدها شنّت معظم وسائل الإعلام حملة مركّزة تطرح سؤالاً من دون جواب: ما الجدوى من الإبقاء على تعاوننا الاستخباري مع الأميركيين، ما دامت أقمارهم الاصطناعيّة غير قادرة على تزويدنا بما نحتاج إليه من صور وأفلام ترصد الحركة على الجهة العراقية من الحدود. في حينها، صدرت رواية غريبة بعض الشيء، مفادها أنّ الأقمار الاصطناعية توقّفت عن العمل قبل ساعات من العملية، ما سمح للمقاتلين بتنفيذ خطّتهم.
أسبوعان مرّا وسُحب موضوع مسؤولية التقصير عن المجزرة من التداول، على حساب المادّة السياسية و«خريطة طريق» أردوغان «لاجتثاث الإرهاب». غير أنّ صحيفة «طرف» قرّرت كسر حاجز الصمت، ونشرت في عددها أمس القصّة الكاملة للساعات التي سبقت العملية وتلك التي تلتها. النتيجة «فضيحة» بكل معنى الكلمة، وخصوصاً أن التحقيق الذي لم يكذّبه قائد الجيش إلكر باسبوغ، أكّد بالصور أنّ الأقمار الاصطناعية كانت تبثّ بالفعل صوراً ليلية على أجهزة المراقبة الخاصّة بقيادة الجيش الموصولة بمكتب باسبوغ ونائبه حسن إغسيز... لكن لم يكن هناك أحد ليرى الصور!
أسوأ من ذلك، فبحسب الرواية الموثّقة لـ«طرف»، فإنّ باسبوغ أُبلغ قبل شهر من تاريخ العملية بوجود نيّة لحصولها، وأنه لم يتّخذ أي تدبير احترازي وقائي.
وفي الصور التي نشرتها الصحيفة، تظهر بوضوح وجوه المقاتلين الأكراد وهم يزرعون الألغام في موقع العملية عند الساعة 9:35 من صباح ذلك اليوم (3 تشرين الأول)، أي قبل 3 ساعات ونصف من الهجوم. وهذه الصور كانت تُبَثّ مباشرةً على أجهزة مكتب قائد الجيش. وأضافت «طرف» «إنه لأمر واضح ولا يحمل التأويل أنّ الأجهزة الاستخبارية التركيّة كانت على علم يقين بتفاصيل تحركات المقاتلين التي انتهت بنجاح العملية».
وفي السياق، أشارت الصحيفة، ذات الطابع اليساري المؤيّد لسياسات «العدالة والتنمية»، إلى أنّ تقارير استخبارية رسمية تؤكد نيّات «الكردستاني» بشنّ هجومه، وصلت في 29 أيلول الماضي إلى باسبوغ. تقارير تتضمّن تفاصيل مذهلة، كأسماء العناصر الأكراد الذين شنّوا الهجوم، تقودهم القائدة الكردية الميدانية المعروفة لدى الأوساط العسكرية «حابات»، وأماكن ولادتهم، وأعمارهم.
وقمّة المفاجأة التي فجّرتها «طرف» كانت نشرها اقتباسات من تقرير «مستعجل جداً» وصل إلى باسبوغ في 2 تشرين الأول، أي عشية الهجوم، ورد فيه أن «العمال الكردستاني ينشط في تخطيط لعمل كبير يجتاز فيه الحدود العراقية لمهاجمة قواتنا».
إلى ذلك، كذّبت «طرف» الرواية الرسمية التي قدّمها إغسيز عن أولى ردات الفعل التي قام بها جيشه فور انتهاء العملية. فقد لفتت الصحيفة إلى أنّ الجيش لم ينتشر فوراً في منطقة الهجوم، كذلك فإنّ لا طائرات «أف 16» نفّذت طلعات جوية وغارات فورية، بل اقتصر الردّ على مروحيّتي «كوبرا».
ويبدو أنّ «طرف» قررت الكشف عن تقصير الجيش لا في عملية «أق توتون» فحسب، بل أثبتت أيضاً أنّ عيوباً مماثلة هي التي أدّت في العام الماضي إلى مقتل 12 جندياً وخطف آخرين في موقع دغليسا، والتي تبعها اجتياح بري لكردستان العراق كان الأوسع منذ عقد.
اللافت هو أنّ ردّ باسبوغ على التحقيق المطوّل لـ«طرف» جاء في مؤتمر صحافي عقده في أنقرة، واكبته بعض الصحف التركيّة بحملة قوية ضدّ الصحيفة، إذ طاب لـ«حرييت» التذكير بأنّ هذه الصحيفة «أسّسها يساريون وهي تدعم الحكومة الإسلامية ولا تتوانى عن نشر تقارير تضرّ بالجيش وسمعته». أما «توداي زمان»، المقربة من الإسلاميين المعتدلين، فأفردت تقريراً كبيراً ينقل جزءاً مما ورد في زميلتها، مع إشادات ضمنية كأنها تدعم نشر تحقيقات كهذه.
وأعلن باسبوغ رفع دعوى قضائية على الصحيفة، مشيراً إلى أنّ «هذه التقارير لا تحبط جيشنا، بل تتشارك المسؤوليّة عن المجزرة بحقّ الجيش».