قراءة إيرانية لعلاقات تزداد توتّراً... تحت الرمادلا يختلف اثنان على أن الرياض وطهران هما من أكثر العواصم العربيّة ـــ الإسلامية تأثيراً في مسلمي العالم الذي يفوق عددهم ملياراً ونصف مليار بين سنّة وشيعة، موزّعين في أرجاء المعمورة. تأثير ظهر جليّاً في الأشهر الأخيرة حين تحوّلت السعودية وإيران إلى قطبين بارزين يمثلان معسكرين متضاربين في مصالحهما وأهدافهما، وخصوصاً أن هذا التضارب بدا واضحاً في حرب هي باردة بين العاصمتين، لكنها شديدة السخونة في مجالات التنافس الخصبة، حيث تستخدم النزاعات السياسية الوقود المذهبي لإشعال الحرائق تارة في باكستان، وأخرى في العراق ولبنان. وفي ما يلي محاولة لتوصيف واقع الحال بين الجانبين، من وجهة نظر إيرانية

طهران ــ محمد شمص
يتجلّى هذه الأيام صراع خفيّ على النفوذ في المنطقة بين الرياض وطهران. وما بين المعلن والخفيّ في سياسة البلدين تجاه بعضهما بعضاً شاسع، والظاهر غير الباطن. السعودية، التي تنظر بقلق شديد من تنامي المد الإيراني الشيعي في المنطقة، بدءاً من العراق ولبنان، مروراً بشبه القارة الهندية ولا ينتهي عند المنطقة الشرقية منها، حيث الغالبية الشيعية تجد في التيارات السلفية والجهادية المدعومة أو المقرّبة من أمراء خليجيين ملاذاً ووسيلة ناجعة للحدّ من اتساع دائرة النفوذ الإيراني. وسيلة يمكن استخدامها رغم خطورة هذه الجماعات وارتداداتها السلبية على داعميها ومموّليها.
وما حرب المواقع الإلكترونية المستمرة وتدمير جماعات سلفية لأكثر من 350 موقعاً شيعياً خلال الأيام القليلة الماضية، والتي يقابلها هجوم شيعي مضاد على المواقع السنيّة، ولا سيما السلفية منها، سوى حلقة من هذا الصراع الخفيّ بين الرياض وطهران.
فضلاً عن ذلك، تشهد المناطق الحدودية الإيرانية المحاذية لباكستان، حركة ناشطة باتجاه تشكيل خلايا وشبكات سلفية (تم تفكيك بعضها الأسبوع الماضي) تسعى لتنفيذ التفجيرات وعمليات القتل والخطف ضد الإيرانيين في مناطق سيستان وبلوشستان (شرق إيران) ذات الغالبية السنّية.
نشاطات تطوّرت أخيراً إلى عمليات تجسّس، إذ أشار موقع إلكتروني تابع لأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، نقلاً عن مصادر مطّلعة، إلى أن «سفارة خليجية في طهران تقوم بالتجسّس لمصلحة إسرائيل وأميركا، وترسل معلوماتها إلى شخصية عربية في دولة خليجية مجاورة لإيران، هو الأمير (ب. س)».
حرب خفيّة كان قد أشار إليها رئيس مجلس الأمن القومي السعودي، بندر بن سلطان، خلال لقائه في طهران قبل أشهر نظيره الإيراني السابق، رئيس مجلس الشورى الحالي علي لاريجاني. وقتها قال له إن إيران تعدّ سبعين مليون نسمة من أصل مليار وخمسمئة مليون مسلم في العالم، وهي لا تشكّل أكثر من 5 في المئة منهم، لكن نفوذها تمدد إلى أوسع من هذه الحدود بكثير.
غير أن القيادة الإيرانية المعنيّة بهذا الملف، ورغم إدراكها لخطورة الوضع السائد، إلّا أنها، وبحسب المصادر ،تريد دفع الأسوأ أي الفتنة الشيعية ـــ السنّية التي قد تحرق المنطقة برمّتها. لذلك، أوصى مركز الدراسات في البرلمان الإيراني، في تقرير رفعه إلى الحكومة ووزارة الخارجية، بتعزيز العلاقات مع السعودية انطلاقاً من فائدتين: الأولى، ترى أن تطوير العلاقات مع الرياض، التي زارها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد 3 مرات منذ انتخابه رئيساً في عام 2005، سيقوّي موقف إيران التفاوضي والدبلوماسي مع الغرب والولايات المتحدة. والثانية تتعلّق بتأثير البلدين الكبير في العالمين العربي والإسلامي، «ويمكن أن يسهما في إخماد نار الفتنة المذهبية».
وأضاف التقرير أنه «يمكن إيران تقديم الحوافز للسعودية من قبيل مشاركتها في الصناعات النووية والصاروخية، وإيجاد تعاون أمني وعسكري لمواجهة الأخطار المشتركة كالإرهاب والقاعدة».
ولأن المعركة أكبر من الدائرة السنّية ـــ الشيعية، بل هي اصطفاف سياسي وفكري كبير وجديد في المنطقة بين معسكرين، حسبما يرى لاريجاني، يمكن الاستدلال بأن ما يعنيه هو أن السعودية ملتصقة بالمشروع الأميركي، وبالتالي فإن معركة طهران مع الأصيل واشنطن لا مع البديل الرياض.
هذه المحفّزات والمبرّرات الإيرانية لم تقنع السعوديين الذين ذهلوا أمام مشهد دخول الشيعة، حلفاء وأصدقاء إيران إلى العراق ـــ أقوى وأهمّ الدول العربية الخليجية ـــ من بابه العريض وتسلّمهم سدّة الحكم هناك.
وليس من المستبعد أن تكون هذه الحملات العلمائية السلفية على الشيعة والتشيّع في الفترة الأخيرة في سياق هذه الحرب الخفيّة، ولا سيما بعدما لوحظ تغيّر مواقف علماء سعوديين، كانت تتحدث بإيجابية عن دور الشيعة في مقاومة إسرائيل سابقاً وانتقلت أخيراً لتدافع عن موقف الشيخ يوسف القرضاوي من «خطورة» التشيّع في العالم العربي.
أمام هذه التطورات، تستغرب مصادر إيرانية الحملة المنظّمة ضد إيران والشيعة وتقول، لـ«الأخبار»، «هل ارتكبت إيران جريمة لأن حزب الله في لبنان انتصر على إسرائيل في عدوان تموز، وكان من ارتدادات وانعكاسات هذا النصر أن توجّهت عائلات سنّية نحو المذهب الشيعي للتعرف عليه والدخول فيه؟».
المصادر نفسها تؤكد أن «إيران ليس لديها مخطط لنشر التشيّع. وما زيارة علي أكبر ولايتي، الممثل الخاص للمرشد الأعلى للثورة، إلى الدوحة ولقاؤه القرضاوي إلّا للتأكيد على هذا الموقف ولتعزيز الوحدة الإسلامية».
لكن هذه المصادر تأسف لما نشرته صحيفة «الوطن» وقناة «العربية» السعوديّتان، من أن ولايتي قدّم اعتذاراً رسمياً للقرضاوي بسبب مقالة نشرتها وكالة «مهر»، انتقدت فيها بشدة تصريحات الأخير. وجاء هذا التصحيح في بيان أصدرته السفارة الإيرانية في الدوحة.
طهران تقول إنها حريصة كل الحرص على إعادة المياه إلى مجاريها مع الرياض، لأن المصلحة كما يراها الإيرانيون هي في منع الفتنة السنّية ـــ الشيعية. لكن هل ستقبل السعودية بالواقع الجديد للمنطقة وتتوقف عن تحريك خيوطها الخفيّة، أم أن سيل المحفّزات الأميركية وصفقات بيع الأسلحة التي تُعرض على المملكة تحت عنوان «مواجهة الخطر الإيراني» تدفع الرياض إلى انتظار طهران لتقدّم تنازلات في مكان ما، بغية كسب ودّ العرب والخليجيّين؟


«اجتماع الدوحة»: على إيران وأد الفتنة

أصدر المشاركون في الاجتماع الطارئ للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الرامي إلى تطويق السّجال بين العلماء السنّة والشيعة، في الدوحة أمس، نداءً إلى إيران لتحمّل مسؤوليتها في وأد الفتنة ولمعاقبة وكالة أنباء «مهر» الإيرانية لنشرها مقالة انتقدت فيها الداعية يوسف القرضاوي.
وجاء في البيان الختامي للاجتماع، الذي بدأ الثلاثاء، أن المجلس «يطالب الجمهورية الإسلامية في إيران بتحمّل مسؤوليّتها الشرعية في وأد الفتنة المذهبية وإطفاء نارها وذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمعاقبة وكالة الأنباء (مهر)، بسبب مقالتها التي جاءت بمجموعة من الأكاذيب والاتهامات الباطلة وبأسلوب السباب والشتائم».
وكان الاجتماع قد عقد بحضور علماء سنّة وشيعة بعيداً عن وسائل الإعلام في محاولة لتطويق السجال الذي اندلع أخيراً بين رجال دين من المذهبين.
(أ ف ب)