كثيراً ما كانت إيطاليا حلماً لكثير من الشبان، لكن عزيزي المهاجر لتحقيق حلمك عليك جمع نقاط محدّدة لتصريح الإقامة، كي تنال هذه النعمة، التي قد تنقلب إلى نقمة
مي الصايغ
نظام «النقاط» مثّل جوهر الاقتراح الذي تقدّم به حزب «رابطة الشمال» الإيطالي، الحليف الأبرز لرئيس الحكومة سيلفيو برلوسكوني في العاشر من الشهر الحالي، لمنح تصريح إقامة للمهاجرين، في إطار تعديل على مشروع القانون الأمني الجارية مناقشته في مجلس الشيوخ. وإذا كان الاقتراح لا يزال في إطار المشروع، فإنه من غير المستبعد إمراره، ولا سيما أن «لرابطة الشمال» الفضل في عودة برلوسكوني إلى المشهد السياسي الإيطالي، وبالتالي من غير المرجح أن يُفشل إمبراطور المال والإعلام حليفه أمبرتو بوسي.
فبعد فهرسة الغجر وأخذ البصمات الرقمية لأطفالهم، تحاول «رابطة الشمال» قمع أنفاس الأجانب، بحجة أن اقتراح القانون الجديد لن يؤذي أولئك الذين يتمتعون بسجل عدلي نظيف، بل الطبقة المجرمة من الأجانب، حتى لو كانوا شرعيين.
ويوضح السيناتور، لورينزو بوديغا، أحد حاملي لواء هذا المشروع، أن «هذا التصريح سيعمل وفقاً لمبدأ رخصة السوق على أساس النقاط»، مشيراً إلى أن خسارة المهاجر حامل التصريح جميع النقاط المجمعة فيها، يؤدي به تلقائياً إلى الترحيل عن إيطاليا.
لكن كيف يستطيع المهاجر جمع النقاط؟
أولاً عليه الإلمام باللغة الإيطالية واحترام القوانين والاندماج بطريقة جيدة في المجتمع، الأمر الذي سيتيح له الحصول على رصيد من النقاط. في المقابل، فإن الاحتيال الضريبي والعقوبات الجزائية أو الإدارية ستؤدي إلى حسم نقاطه من على بطاقة التصريح.
وبحسب بوديغا، بإمكان مفوضي الشرطة ورؤساء البلديات ولجنة تؤلّف لهذه الغاية، منح هذه النقاط أو حسمها، ويمكن أداء أعمال مفيدة للمجتمع أن يسمح للمهاجر بأن يستعيد نقاطاً خسرها.
كما يتضمن مشروع القانون الأمني إجراءات لمكافحة الهجرة، بينها جنحة الهجرة غير الشرعية ومنع الحصول على الجنسية عن طريق الزواج تجنباً للزيجات الصورية.
النائب المعارض، جان ليونار توادي، سارع إلى وصف هذا المشروع بأنه «لا إنساني». وانتقد النائب المولود في الكونغو، الذي يعيش في إيطاليا منذ 30 عاماً، هذا التعديل الذي يجعل حيازة تصريح الإقامة نوعاً من مكافأة «جدارة» فيما أنها حق.
ويأتي هذا الاقتراح وسط مناخ من العنصرية وكراهية الأجانب، إذ كوّن عدد من المقيمين في إيطاليا، سواء من جنسيات أفريقية أو آسيوية، ضحاياه، بعدما تحولت الاعتداءات اللفظية على المهاجرين إلى جسدية. مناخ تجاوز حدود الفاشيّة كي يبشّر بولادة «عهد ما بعد موسوليني»، على حد تعبير زعيم الحزب الديموقراطي اليساري، والتر فلتروني.
ورأى العضو الأسود في البرلمان، جان ــ ليونارد توادي، أنّه «ليس كل الإيطاليين عنصريين. غير أنه في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، من السهل صبّ جام غضبهم على الأجانب، وتحويلها إلى حرب بين الإيطاليين الفقراء والمهاجرين».
وجاءت مصادقة البرلمان الإيطالي، الثلاثاء الماضي، على قانون ينص على استحداث صفوف خاصة للأطفال المهاجرين بدلاً من السماح لهم بالدخول مباشرة إلى المدارس الإيطالية، لتصب الزيت على النار. قانون يمثّل أبلغ مثال على سياسة تمعن في وضع جدران بين الشعب الإيطالي والمهاجرين، ومن البديهي أنه يحمل توقيع حزب «رابطة الشمال».
فبناءً على هذا القانون، الذي ينتظر مصادقة مجلس الشيوخ عليه ليدخل حيز التنفيذ، سيسمح للطلاب الذين ينجحون في امتحان الدخول بالانضمام إلى الصفوف العادية، أما الراسبون، فيوضعون في صفوف «مؤقتة» يتعلمون فيها اللغة الإيطالية ويأخذون دروساً في القانون والمواطنة، فضلاً عن المنهج التعليمي الأساسي، قبل أن يخضعوا مجدداً للامتحان.
ووسط تصوير المهاجرين على أنهم طفيليات دخيلة على المجتمعات الغربية، كشفت دراسة نشرها المعهد الأوروبي للإحصاء في بروكسل في أيلول الماضي أنّ عدد سكان الاتحاد الأوروبي سيتراجع بشكل مخيف وخطير في حالة إغلاق تام ونهائي وفق الخطط السياسية المعلنة حالياً لباب الهجرة الأجنبية.
وأوضحت الدراسة أنه رغم توجّه الاتحاد الأوروبي نحو أن يعدّ نصف مليار شخص، فإن 80 في المئة من الزيادة السكانية الأوروبية تعود إلى ظاهرة الهجرة الأجنبية، وأنّ مساهمة الأوروبيين في هذا التطور من خلال معادلة الولادة والوفاة لم تتجاوز نسبة الـ20 في المئة من حجم الزيادة المسجلة على عدد السكان، أي إنها مهدّدة بعدم تجديد البنية السكانية على المدى البعيد.
إلا أن حال حزب «رابطة الشمال» اليميني لا تزال كما هي، إذ بات المهاجرون يمثّلون رعباً له، ليصبح شعاره «أنت مهاجر، إذاً أنت مجرم»، حتى يثبت العكس.