Strong>لا يخفي انزعاجه من بعض ممارسات «جيش المهدي» وقائدهلا يخفى دور المرجعية الدينية في السياسة العراقية. ومع الحديث عن الاتفاقيّة الأمنية، برز مجدداً اسم آية الله كاظم الحائري، الذي يعد الأب الروحي للتيار الصدري، مع ما يمثله هذا التيار من ثقل سياسي وشعبي

طهران ــ محمد شمص
أدّت المرجعية الدينية خلال السنوات الماضية دوراً رئيسياً في العراق، وتركت بصماتها وتأثيراتها على القرار السياسي. دور أصبح محوريّاً بعد سقوط النطام البعثي ووصول أحزاب إسلامية شيعية، تلتزم المرجعيّة وقراراتها، الى سدة الحكم. ورغم أن النظام السابق قتل عدداً من مراجع الحوزة العلمية، كالسيد محمد باقر الصدر (الصدر الأول) والسيد محمد صادق الصدر (الصدر الثاني)، إلا أن هذه المدرسة الدينية أنجبت مرجعيات جديدة تمتلك اليوم الكلمة الفصل في أي قرار مصيري واستراتيجي في العراق، ولا سيما الاتّفاقية الامنيّة المزمع توقيعها بين الحكومة العراقية والإدارة الاميركيّة.
ومعروف أن الاميركيين فوجئوا بمعارضة الشيعة لهذه الاتفاقية بعد موقف للمرجع علي السيستاني والتظاهرة المليونية التي قادها التيار الصدري، وتلاها بيان للمرجع العراقي آية الله العظمى كاظم الحائري، يحرّم توقيعها.
لكن ثمة ما يميّز الحائري عن غيره من مراجع العراق، فهو يعدّ الأب الروحي للتيار الصدري الأكثر شعبية بين الشيعة العراقيين، ويقلّده السيد مقتدى الصدر في الامور الدينية والشرعية، فضلاً عن مواقفه السياسية وتوجيهاته وإرشاداته، التي تترك تأثيراً كبيراً بين أنصاره. موقع الحائري يرفده الإرث الكبير الذي تركه له «الصدر الثاني»، والد مقتدى، حين قال «إنه الأعلم بعدي»، وهي إشارة فقهية لمقلديه بضرورة العودة بعد وفاته الى تقليد الحائري.
السيد كاظم الحسيني الحائري من مواليد كربلاء عام 1938، وتتلمذ على يد المرجع الديني محمد باقر الصدر، الذي أشاد برتبته العلمية الدينية. وقال له، في رسالة موثقة، «قد ربيتك يا أبا جواد من الناحية العلمية وكنت آمل أن أستعين بك حينما تتراكم الاستفتاءات ووقتي محدد».
وغياب الحائري عن الساحة العراقية جاء نتيجة الضغوط التي مارسها ضده النظام السابق، ما دفعه إلى الاستقرار في مدينة قم الايرانية، فيما ينتشر ممثلوه ومكاتبه في العراق وسوريا وبعض الدول العربية.
ويعدّ الحائري من مؤسسي حزب «الدعوة»، إلا أنه ينأى بنفسه عن هذا الحزب منذ سنوات طويلة على خلفية خلافات فكريّة وسياسية مع رموزه. وتؤكد مصادر أن علاقات ودية قوية تربط الحائري مع المرشد الأعلى للثورة الايرانية، آية الله علي خامنئي، حتى أشيع أن خامنئي عيّنه ممثلاً له لشؤون الأمة العراقية. لكن الحائري ينفي ذلك ويقول «لقد راجعناه (الخامنئي) فقال لم ولن أعين وليّاً للعراق».
ويرفض الحائري وصفه بالوليّ الفقيه. ويقول «نحن سنبقى نمارس إصدار الأحكام اللازمة. لكن هذا التعبير قد يوحي بمعنى آخر غير مقصود»، في إشارة إلى أنه لا يريد أن يبدو منافساً للمرشد. هو يعتقد بولاية الفقيه المطلقة، كما الإمام الخميني، لكن يختلف عنه بالقول بتعدّد الولاة، أي أن يكون لكل بلد وليّ لا وليّ واحد لكل المسلمين والبلدان، شرط ألا يتصدى الولي الأول للبلد الآخر. هذا الكلام ينسجم مع ما قاله مقتدى الصدر في أول زيارة له الى إيران، خلال جوابه عن رأيه في ولاية الفقيه، فقال «ولاية الفقيه هذه للإيرانيين، نحن لدينا رؤيتنا».
الصدر وأنصاره ملتزمون دينيّاً بفتاوى المرجع الحائري، وسياسياً بأحكامه ومواقفه، إلا أن هذه العلاقة ليست مستقرة دائماً، إذ تنقل مصادر انزعاج الحائري أحياناً من مواقف مقتدى وممارسات عناصر التيار وجيش المهدي، ولا سيما في الأحداث الاخيرة والاشتباكات التي وقعت بين الصدريين والحكومة. ورأى الحائري، في بيانه، أن قتال الجيش والشرطة العراقية غير جائز شرعاً، وحرّم التعاون أو التعامل مع قوات الاحتلال، كما دعا أنصار التيار الصدري الى عدم المس بالوحدة وبمساجد السنة لأن «العدو الغادر يريد إحداث الفتنة بين المسلمين فعليكم بالاتحاد جميعاً ضد الارهابيين وقوات الاحتلال ولا يجوز التعرض لإخواننا السنة ومساجدهم».
واستطاع الحائري، بمواقفه واتصالاته، وأد الفتنة الشيعية ـــــ الشيعية التي كادت تشتعل بعد مقتل عبد المجيد الخوئي، في وقت يُعد فيه الملهم والمحرض على قتال العراقيين لقوات الاحتلال، وهو يحرم التعاون مع المحتلين ويعتبر التوقيع على الاتفاقية الامنية ذنباً لن تغفره الامة العراقية.
ومع ما يشاع عن إقامة مقتدى الصدر في مدينة قم الى جانب الحائري وتلقيه دروس الفقه على يديه، فإن مزيداً من التقارب مرتقب بين الأب الروحي ومقلده الشاب الطموح، الذي يسعى لأن يكون مرجعاً دينياً لا قائداً سياسيّاً وحسب. وحتى ذلك الحين، يبدو أن السيد مقتدى ملتزم دينياً وسياسياً بتوجيهات الحائري وإرشاداته، فيما مصير التيار وجيش المهدي يبقى مرتبطاً بكلمة فاصلة من المرجعين الأكثر حضوراً وتأثيراً على الساحة العراقية: آية الله السيستاني وآية الله الحائري.