باريس ــ بسّام الطيارةهل يريد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، «قيادة الاتحاد الأوروبي» حتى بعد انتهاء الولاية الفرنسية في نهاية العام الجاري، متجاوزاً بذلك قواعد التناوب؟
إنه ليس سؤالاً افتراضيّاً، فالموضوع طرحه ساكن الإليزيه مرتين خلال يومين، مستفيداً من الزخم الإعلامي الذي توفره له قيادته لقاطرة الإجراءات الأوروبية لمعالجة الأزمة المالية، وبروزه في واجهة سلسلة من القمم التي نظمها منذ شهر، مع ارتفاع عدد المشاركين فيها مترافقاً مع ارتفاع وتيرة عقدها.
فقد دعا ساركوزي، في خطاب في أنسي (شمال شرق فرنسا)، إلى «حكومة اقتصادية تجمع رؤساء الدول والحكومات في مجموعة اليورو الأوروبية»، التي تضم ١٥ دولة يسود فيها اليورو. وأضاف: «إن أوروبا مدركة أكثر من أي يوم مضى لحاجتها إلى حكومة اقتصادية حقيقية اختبرت أخيراً قدرتها وفائدتها»، في إشارة مباشرة إلى قمة الـ ١٥ التي انعقدت في الإليزيه في ١٢ الشهر الجاري برئاسته، وأفضت إلى عدد من القرارات التي أسهمت جزئياً باستيعاب انهيار المصارف الأوروبية. وأضاف أن المجموعة الأوروبية «يجب أن تمثّل إطاراً لهذه الحكومة». وطالب بأن تكون على مستوى سياسي عالٍ، لا على مستوى الخبراء ووزراء المال فقط، ويجب أن تجتمع دورياً، لا «انتظار أزمة».
وذكّر حديث الرئيس الفرنسي بخطابه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، حين طالب «باجتماعات دورية لزعماء مجموعة اليورو» وطرح فكرة «الحكومة الاقتصادية».
ويقول مقربون من ساركوزي، الذي ارتفعت أسهم شعبيته كثيراً خلال هذه الفترة، إنه «مذهول» بسبب عدم تحرك أوروبا لتدارك الأزمة. ويضيف هؤلاء أن «الرئيس مثل عادته يثق بقدرته على قيادة أوروبا خارج نفق الأزمة». ويذكرون بقوله: «إن العالم يتغير وأوروبا تتغير»، وهو ما رآه أكثر من مراقب «إشارة إلى رغبة ساركوزي في نقل القطيعة التي طبقها في فرنسا إلى المستوى الأوروبي».
وعرض ساركوزي شريط «حججه لتبرير ما يشير إليه من دون الإفصاح عنه» بقوله: «إن أوروبا التكنوقراطية غابت عنها السياسة، ما سبّب غياب الحوارات والقرارات وأدخلها في جمود، لذا يجب أن تتغير لتصبح أوروبا السياسية». وتابع قائلاً إنها بذلك تستطيع قيادة العالم نحو «نظام مالي عالمي جديد» لأنها فرضت قمّة عالمية تدور حول اقتراحاتها. واستطرد بأن أوروبا يجب ألّا تتوقف عند هذا الحد، بل يجب أن تتابع انطلاقتها نحو التغيير المطلوب للعالم.
لم يقل ساركوزي إنه «المؤهل لقيادة أوروبا هذه» من خلال حكومة «مالية سياسية» تنظر في كل مرافق حياة الاتحاد. ولكن الجميع فهم مقصده. وقد بان مقصده خصوصاً من خلال «المعارضين المباشرين لطروحاته»، وفي مقدمتهم رئيس تشيكيا، فاكلاف كلاوس، الذي تستعد بلاده لتسلم قيادة الاتحاد الأوروبي بعد فرنسا، إذ إنها المرة الثانية التي يتطرق ساركوزي لموضوع يمكن أن ينتقص من صلاحيات تشيكيا.
ولكن لا تتوقف المعارضة على «الخاسرين مباشرة»، بل ثمة معارضة من عدد من الزعماء الذين لا ينظرون بعين الرضا لاحتلال فرنسا زعامة الاتحاد، وتزداد المعارضة أمام سيل «الحجج التي يقدمها الفرنسيون»، كقولهم إن الأزمة الجورجية والأزمة المالية أثبتتا أن ضرورة وجود «زعامة أوروبية»، إضافة إلى واقع «جمود مؤسسات الاتحاد الأوروبية بسبب رفض إيرلندا لمعاهدة برشلونة»، التي كانت تؤسس لرئيس أوروبي لمدة سنتين ونصف دورياً.
ويضاف إلى هذا كون المفوضية الحالية «التي بهت لون رئاستها في ظل ساركوزي»، كما يشير أكثر من مراقب، تنتهي مدتها في نهاية ٢٠٠٩، ما يطرح مسألة فراغ كبير على صعيد آلية عمل الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً إذا «دام المأزق الإيرلندي» الذي يمنع توقيع معاهدة الاتحاد بشكلها الجديد.
وقد نُقل عن ساركوزي قوله أخيراً: «لن أسمح بالعودة إلى الوراء». ومن هنا يرى البعض أن «التخلي مرحلياً عن أوروبا الـ٢٧» والانكفاء باتجاه «أوروبا الـ١٥»، أي مجموعة اليورو، يمكن أن يتجاوز العقبة الدستورية بإبعاد «الثلاثي الأميركي المعارض لزعامة فرنسا ممثلاً ببولونيا وتشيكيا وبلغاريا». علامتا استفهام وغموض تعترضان تحقيق ساركوزي لمراميه: أولاً موقف ألمانيا التي تنتفض كلما ارتفع نفوذ فرنسا على أوروبا وتقاربت مع بريطانيا، وخصوصاً أن «تيار المودة لا يمر بين المستشارة أنجيلا ميركل وساركوزي».
ثانياً: إن ما يُبنى ويشاد اليوم من خطط وتخطيطات تدور في ظل «غياب الإدارة الأميركية» بسبب ضعف جورج بوش والحملة الانتخابية، ولكن هل يظل الأمر هكذا بعد الرابع من الشهر المقبل أياً يكن ساكن البيت الأبيض الجديد؟ الإجابة عن هذا السؤال تمثّل رداً على طموحات ساركوزي ببناء اتحاد أوروبي يقف في وجه الولايات المتحدة ماليّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً ويكون هو على عرشه.