يعلّق العالم آمالاً على اجتماع واشنطن، في ظلّ استمرار هبوط مؤشرات البورصات، حيث بدأ الركود يلامس الاقتصاد الحقيقي بعدما عصف بالاقتصاد الافتراضي
باريس ــ بسّام الطيارة
انطلقت الأزمة الاقتصادية من أميركا، حيث بدأت الصناعات الكبرى تئنّ تحت وطأة تباطؤ الاستهلاك وتراجع المؤشرات الصناعية قبل أن تصيب العالم أجمع. لكن المفارقة هي أن الآمال معقودة على قمة الـ«20» في 15 تشرين الثاني في واشنطن، بأن يخرج العلاج الناجع من بلاد العم سام، حيث بيت الداء.
إلا أن هذا الاجتماع، الذي قبله الرئيس جورج بوش على مضض في نهاية ولايته، يبدو «مسدود الأفق سياسياً»، في ظل تراكم سوء التفاهمات التي سبقت قبوله. إذ تختلف نظرة الأوروبيين عمّا يرتئيه بوش. ويشهد على ذلك تبادل «الرسائل المتناقضة المضمون حول المنتظر من قمة الـ٢٠» عبر وسائل الإعلام بين واشنطن والزعماء الأوروبيين الذين أمضوا عطلة نهاية الأسبوع في بكين بمناسبة القمة الآسيوية ـــ الأوروبية السابعة.
من جهته، رأى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن القمة تسعى إلى إصلاح النظام المالي العالمي، وأنه ضمن دعم الدول الآسيوية، وفي مقدّمها الصين لانتزاع قرارات من قمة واشنطن. ونقلت عنه الوكالات قوله «الكل يدرك جيداً أنه لا يمكن الاجتماع لمجرد تبادل الكلام»، قبل أن يضيف «سيتم اتخاذ قرارات حاسمة».
ولم يخف ساركوزي عشيّة سفره إلى العاصمة الصينية، أنه يريد تأييداً آسيوياً لـ«إعادة تأسيس الرأسمالية وإصلاح النظام المالي» وهو ما يراه مقرّبون منه أنه نجح في الحصول عليه، وخصوصاً أن رئيس الوزراء الصيني، وين جيا باو، أكد أن بلاده ستشارك بنشاط، مضيفاً «نحن مستعدّون للتعاون في شكل براغماتي لإيجاد حلّ ونأمل أن تكون القمّة مثمرة».
وتقول مصادر فرنسية، رافقت ساركوزي إلى القمة، إن «الدول الآسيوية أدركت خطورة الأزمة وضرورة التحرك». وعلّق دبلوماسي آخر بقوله «إن الآسيويين بدأوا يلمسون تأثيرات الأزمة» ومن هنا يجدون أن عليهم المساهمة بإيجاد حلول.
إلا أن بوش وجّه رسالة من واشنطن إلى المجتمعين، مؤكداً على المشاركين في القمة أن «يتعهّدوا مرة ثانية باحترام مبادئ العمل والتبادل الحرّ وحرية الأسواق»، كضمانة على المدى الطويل. وفي ذلك اتّهام شبه مباشر إلى ساركوزي والأوروبيين، لكونهم يركّزون الردود على المدى القصير.
وشدد بوش على اختلاف وجهات النظر بينه وبينهم، إذ إنه رأى أن «سياسات انفتاح الأسواق رفعت مستوى الحياة وساعدت ملايين الأشخاص على الخروج من الفقر».
ويرى بعض المراقبين في أوروبا أن بوش استشفّ أن «دعم الدول الآسيوية الكبرى لا يتجاوز إصلاح النظم النقدية والمالية»، وأن هذه الدول «المنتجة للسلع الاستهلاكية» لا «تريد أن تُغضب أكبر سوق لمنتجاتها»، وهو ما دفع بوش ليوصي الأميركيين بالحفاظ على «تفاؤلهم» بالنسبة إلى المستقبل الاقتصادي في الولايات المتحدة.
ولا تبدو الدول الآسيوية، التي يسوّق الدولار اقتصاداتها، مستعدّة لدعم «ملفّ التكافؤ النقدي»، الذي يريد ساركوزي أن يكون على طاولة القمة المقبلة، وخصوصاً بكين التي يستاء معظم الأوروبيين من تدنّي قيمة عملتها اليوان في مقابل اليورو، ما يفتح لمنتجاتها أبواب أميركا وأوروبا.
وقد أقرّ أكثر من مصدر فرنسي أن جبهة المبادرات المشتركة «لا تزال تتطلب وقتاً والكثير من المشاورات» وهي بالواقع جبهة المواجهة بين نظريتين إلى النظام العالمي المقبل، فالأوروبيون يريدون ضبطاً حازماً للأسواق عبر «آليات تخضع لسلطة سياسية»، وهو ما لا تريد إدارة بوش أن تتركه كإرث سياسي للإدارة الأميركية المقبلة.
ويدرك كثيرون أن «إمكان الفشل الحقيقي» موجود، وقد أوضحت مصادر نقلاً عن الإدارة الأميركية، الحديث عن إمكان «التفاهم على مجموعة مبادئ مشتركة»، وأن الوصول إلى هذا سيشكّل خطوة أساسية للتوصل إلى تفادي أزمات مشابهة في المستقبل، وهو ما يراه ساركوزي غير كافً على الإطلاق وهو تحدّث مباشرة عن تغيير «قواعد النظام المالي العالمي» وإيجاد آلية «برتن وودز جديدة»، أي كما يرى الرئيس الفرنسي «إدخال قطيعة» في التعامل المالي بين الدول والمؤسسات المالية العالمية.
وقد اغتنم رئيس فنزويلا، هوغو تشافيز، مناسبة «التباين بين كل من النظرة الفرنسية والأميركية» لمستقبل النظام المالي وأرسل «تهنئة لساركوزي الذي يقترب رويداً رويداً من الاشتراكية». ودعاه إلى العمل معاً لبناء هذا النظام المالي الجديد الذي شبّهه باشتراكية القرن الحادي والعشرين، معتبراً أن لا مجال «لإعادة بناء الرأسمالية» وأنه يجب بناء نظام جديد، يسمّيه ساركوزي «نظاماً وطنياً» بينما هو في الواقع اشتراكي.