الموقف الفرنسي من الهجوم الأميركي في سوريا يحمل أكثر من إشارة إلى امتعاض باريس من تصرّف واشنطن الذي يرى أكثر من مسؤول فرنسي أنه موجّه ضد جهود انفتاح الرئيس نيكولا ساركوزي على دمشق
باريس ــ بسّام الطيارة
هل يحاول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استغلال نافذة غياب قدرة أميركا عموماً وجورج بوش خصوصاً على المبادرة لملء أكثر ما يمكنه من هذا الفراغ؟ سؤال وجد جواباً في معالجة الأزمة المالية، عندما بادر الرئيس الفرنسي حيث غابت المبادرة الأميركية.
لكنها مبادرة لم تقتصر على الأزمة المالية، فقد وجد الفرنسيّون في الهجوم الأميركي على سوريا فرصة لموقف مغاير عن واشنطن.
ساعات معدودة فصلت بين ورود خبر الغارة وبيان صدر عن الإليزيه عبّر عن «عميق قلق فرنسا»، مع الأسف لوقوع قتلى، ودعوة «إلى الامتناع عن التصعيد»، مذكّراً بضرورة «احترام وحدة الأراضي السورية»، ومؤكداً رغبة باريس في كشف كل ملابسات العملية، مع التنويه بأن ساركوزي عبّر لعائلات الضحايا عن تعازيه.
إلا أنّه بعد أربع وعشرين ساعة من العملية، بدا أن لدى أروقة صنّاع القرار في باريس رغبتين تتنافسان على واجهة التعامل في هذه القضية: الأولى تريد «ملء الفراغ والتعبير عن إدانة لهذا العمل»، أما الثانية فهي تريد «المحافظة على حدّ أدنى من التضامن الغربي».
وفي هذا السياق، أكد أحد المصادر أنّ «هناك قناعة لدى الفريق الثاني» بأنه لولا وجود دليل لدى الأميركيين على أن المكان «كان قبيل الغارة أو قبل أيام معبراً لأحد كبار المقاتلين، لما أقدمت على العملية». ويشير إلى أن المعلومات الفرنسية تؤكد أن «الانفراج المالي الذي مس ّسكان المنطقة» كان قيد متابعة منذ مدة غير قصيرة.
وبدا هذا التناقض بين هذين التوجّهين واضحاً لدى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية، إيرك شوفاليه، الذي بادر إلى القول، رداً على سؤال لـ«الأخبار» عمّا إذا كانت إدانة قتل المدنيين على الحدود الباكستانية تنطبق على ما حصل على الحدود السورية، «نعم لقد سبق لنا وأعربنا عن قلقنا لمقتل مدنيين في مناطق القبائل، واليوم لنا موقف مشابه». ورغم رفضه «إدانة صريحة للعملية»، التي بحسب أكثر من مصدر «تخرق القانون الدولي»، إلا أنه أعلن استهجانه لما ورد على لسان بعض المصادر الأميركية بشأن نجاحها بقوله «إن عملية تقتل مدنيين وأطفالاً لا يمكن أن تكون ناجحة».
وبحسب أكثر من مراقب، فإن «ضرب سوريا الآن» يعتبر «ضرباً غير مباشر لجهود ساركوزي الماضية»، وبالتالي لا يرى التيار الأول الذي دعم ساركوزي للوصول إلى تليين العلاقات مع دمشق، وصولاً إلى حلحلة الملف اللبناني، في توقيت هذه الضربة إلا محاولة لعرقلة مسار العودة القوية للدبلوماسية الفرنسية إلى المنطقة.
ويذكّر هؤلاء بأن مجلس الأمن على عتبة قرارات مهمة جداً بالنسبة إلى العراق مع انتهاء ولاية قوات الاحتلال في بلاد الرافدين، وأن فرنسا عادت إلى المطالبة بتحديد «أفق أمل» لربطه بانسحاب القوات الأميركية، وهو ما يضايق واشنطن في ضغوطها على الحكومة العراقية. ويضيفون أن الضربة يمكن أن تعطي حججاً للجمهوريين ونقطتين أو أكثر لمرشحهم من خلال التذكير بخطر الإرهاب.
في المقابل، فإنّ ممسكي خط «الالتزام والتضامن الغربي» يرون أن «الإرهاب يجب محاربته بلا هوادة»، مع اعترافهم بالخوف من أن «تأخذ واشنطن منحى عسكرياً في التعامل مع الجبهة السورية»، كما هو الحال على الجبهة الباكستانية.