تطالعنا استطلاعات الرأي بنتائج يومية، ويزداد زخمها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بعد 5 أيام. لكنها استطلاعات تطرح علامات استفهام عن دورها في تحريف الرأي مع التباين الذي يحصل في ما بينها
واشنطن ــ محمد سعيد
لا يكاد يمرّ يوم من دون أن تنشر مؤسسات البحث واستطلاعات الرأي نتائج التكهّنات التي يعبّر عنها الناخبون الأميركيون بشأن انتخابات الرئاسة. ويلاحظ المتابعون في كثير من الأحيان الفروق الكبيرة في نتائجها، إذ يظهر أحد الاستطلاعات أنّ الفرق بين المرشح الديموقراطي باراك أوباما وخصمه الجمهوري جون ماكاين يتجاوز عشر نقاط لمصلحة الأول، فيما يظهر استطلاع آخر أنهما متقاربان.
وأصبحت عمليات استطلاع الآراء في الدول الغربية تتّسم بأهمية متزايدة، لكنها في الولايات المتحدة تتسم بأهمية قصوى، إذ أصبحت أداة «المؤسسة الأميركية» في إقناع الرأي العام الأميركي بتبنّي توجهاتها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد أن تكون قد سخّرت كلّ أجهزتها وأدواتها الإعلامية للتأثير على المواطن. واستطلاعات الرأي لا تقيس فقط، بل إنها تتلاعب أيضاً وتساعد في صياغة الأفكار من خلال الصياغة الدقيقة للأسئلة والتنوّّع في اختيار الأجوبة.
وكان المدير التنفيذي السابق لمعهد «غالوب» لاستطلاعات الرأي، دايفيد مور، قد كتب قبل بضع سنوات في كتابه «كبار القائمين بعمليات استطلاع الرأي» أن اختلافات طفيفة في صياغة السؤال أو في مكانة الأسئلة يمكن أن تكون له عواقب كبيرة، مشيراً إلى أن نتائج استطلاع الرأي تتأثر كثيراً بعملية الاستطلاع نفسها.
وقال الناقد الإعلامي هيربرت شيلر، قبل أكثر من ثلاثة عقود، إن «استطلاعات الرأي كما تمارس في الولايات المتحدة تقدّم نفسها كوسيلة لتسجيل الآراء والخيارات التي يتم الإعراب عنها. فيما هي آلية لتقييد الاختيار، والاحتمالات التي تقدّمها من الأفضل أن ينظر إليها كخيارات موجّهة».
وقال شيلر في كتابه «The Mind Managers» عام 1986 إن «هؤلاء الذين يحتلون مراكز صنع القرار في الحكومة والنشاطات الاقتصادية هم المؤيدون الرئيسيون لعمليات استطلاع الرأي، والحاجات الحيوية لهذه المجموعات هي التي تقرّر ـــ بقصد أو عن غيره ـــ الأبعاد التي تصاغ فيها الاستطلاعات».
وعندما تقوم الحكومة الأميركية بعمل عسكري، تنخرط في لعبة منسّقة مع الإعلام خلال الساعات الأولى الحاسمة من عملها، فتبدأ شبكات التلفزة بالقول إن معظم الأميركيين يقرّون ذلك، ونتائج الاستطلاع السريعة قد تضفي صفة الشرعية على قرار العدوان.
وهذا ما جرى تطبيقه في حرب جورج بوش الشاملة على العراق، والتي سارت بموازاة حملة دعائية مستمرة على الجبهة الداخلية خلال الأشهر التي سبقت العدوان. والاستطلاعات، رغم أنها في النهاية تقدّم وضوحاً في عالم مضطرب، إلا أنّها في الغالب عبارة عن صور سريعة تؤخذ من زوايا منحرفة.
وفي ما يتعلق بالانتخابات الأميركية، فإن حملاتها تتغذّى من استطلاعات الرأي العام إلى حدّ كبير. ففي الصيف الماضي، كانت حملة ماكاين تعاني سكرات الموت من أجل الفوز بترشيح الحزب الجمهوري. وفي الانتخابات التمهيدية الديموقراطية، كان أوباما متقدماً في استطلاعات الرأي في ولاية نيو هامشير، ولكنّه خسرها لهيلاري كلينتون.
ولا يلتفت عديد من المحلّلين إلى استطلاعات الرأي، بل ينحى بعضهم إلى اعتبارها شعوذة مصطنعة، وإذا كان هناك من إجماع على قضايا هامة تشغل بال المجتمع الأميركي بعامة كقضايا الإجهاض والسياسة الخارجية، فيمكن القول إن ذلك الإجماع موجود لأن استطلاعات الرأي تقول بذلك. أما حقيقة الأمر فهي أن الناخب الأميركي بعامة يفتقر إلى العلم بالشيء، بل إنه غير معنيّ بشيء، وهو ما تعترف به وسائل الإعلام من حين لآخر.
في المقابل، تؤدي المؤسسة الأميركية دوراً فاعلاً في استطلاعات الرأي مثل ما جرى في انتخابات عام 2004. حينها ظهر أن الحاكم السابق لولاية فيرمونت هوارد دين يتقدّم على المرشحين الديموقراطيين التسعة بفارق كبير جداً، حيث كان المرشح جون كيري في ذيل القائمة. ولكن كون «مؤسسة الحزب» تعتبر دين خارجاً عنها بسبب «ليبراليته» التي لا تتفق مع توجهات يمين الوسط، ورفضه للحرب على العراق، فقررت الإتيان بمرشحها جون كيري الذي ينتمي إلى ما يعرف بـ«الديموقراطيون الجدد» الذين يتشابهون مع نظرائهم «المحافظون الجدد» الذين يدعون إلى منع ظهور أي قوة منافسة للولايات المتحدة ولو باستخدام القوة العسكرية.
وإذا رأت «المؤسسة» أن الوقت قد حان للاستفادة من تنامي الزخم الكبير المؤيد لدماء جديدة في حكم يعاني من ويلات العالم بأسره، الزخم الذي أوجدته أجندة أوباما الداعية إلى التغيير من أجل استعادة الولايات المتحدة مكانتها وزعامتها العالمية، يصبح فوز أوباما أمراً مؤكداً. ومهما كانت استطلاعات الرأي، فإن ما يحسم مسألة الانتخابات في النهاية هو الوضع الداخلي الأميركي المتعلق بالمجمع الصناعي العسكري وكارتيل الاحتكارات وأصحاب رؤوس الأموال وشركات الاستثمار والطاقة.


حملة مشتركة لأوباما وبيل كلينتون

يسعى المرشح الديموقراطي باراك أوباما إلى إبقاء الزخم في حملته حتى الرمق الأخير، وهو يستعدّ لأول حملة مشتركة له مع الرئيس السابق بيل كلينتون في فلوريدا فجر اليوم، فيما تغدق حملته بغزارة على الدعايات الانتخابية، ما أثار غيرة خصمه جون ماكاين.
ويزداد إنفاق الحملة الديموقراطية على الدعاية والإعلام، إذ دفعت أكثر من مليون دولار لبث دعاية على محطات «سي بي أس» و«أن بي سي» و«فوكس»، كذلك ستعرض دعايتها الانتخابية على محطات تُذيع باللغة الإسبانية «بي إي تي»، والقنوات الموجّهة للسود كـ«أم أس أن بي سي» و«تي في 1». ويُتوقع أن تُعرض الدعاية قبيل مباراة عالمية للبايسبول. وبالتزامن مع عرضها، يظهر أوباما برفقة بيل كلينتون خلال حملة هي الأولى من نوعها في كيسيمي ـــ فلوريدا.
في المقابل، جال ماكاين مع نائبته سارة بالين في بنسلفانيا، أول من أمس، وجدّد انتقاده لأوباما مدّعياً بأنّه «ليبرالي تقليدي يسعى إلى إعادة توزع الثروة، بل قادر على استقطاع بطولة البايسبول بدعايته التي تستمر لثلاثين دقيقة». وقال «لا أحد سيؤخر مباراة عالمية لعرض دعايته عندما أكون رئيساً». وذكرت «فوكس نيوز» أنّ دعاية أوباما ستعرض قبل عرض البطولة العالمية، لكنّها لن تؤخّر المباراة نفسها. وفي آخر استطلاعات لـ«بيو ريسيرتش سنتر»، يتقدّم أوباما على ماكاين بفارق 16 نقطة،. كذلك، يتقدّم أوباما بأربع ولايات صوّتت للجمهوريين عام 2004 هي: أوهايو (7 نقاط)، ونيفادا (12 نقطة)، وكولورادو (9 نقاط) وفيرجينيا (7 نقاط)، بحسب استطلاعات لـ«أسوشيتد برس».
(أ ب)