strong>إسطنبول تحتضن المساجد والمحجّبات ومعها بائعات الهوى والعلب الليلية في إسطنبول تُختتم الرحلة، والختام مسك كما يقول العرب. وخصوصاً لدى زيارة «عاصمة السلاطين» التي تربط الحاضر بالتاريخ وتستشرف مستقبل البلاد المقبلة على تحوّلات مفصلية تحدّد علاقتها بالاتحاد الأوروبي ودورها الجيو ــ استراتيجي لكونها جسراً للتواصل بين الشرق والغرب

إسطنبول ــ معمر عطوي
لا تكاد تطلّ على مدينة إسطنبول، حتى تبدأ تجربة الازدحام الصعبة، إذ إن انسيابية الطرقات السريعة التي تتميّز بها تركيا، والتي تستخدم لقاء بدل مالي ببطاقة إلكترونية، تجعلك تعتاد سهولة السير.
في إسطنبول وضع آخر. هنا يدخل 3 ملايين سائح أيام العطلة الأسبوعية. هي ليست مدينة عادية، فلها من المميزات ما يجعلك لا تستغرب هذا الكم الهائل من روّادها وزوّارها.
اهتمام زائد بالمدينة يفوق بكثير العاصمة السياسية أنقرة، التي انتقلت إليها مؤسسات الدولة بعد قيام الجمهورية التركية في عام 1923.
تختلف إسطنبول الآسيوية عن نصفها الأوروبي بأنها أكثر فقراً وأقلّ نمواً من ذلك الشطر الذي يسحرك بجمالية مداخله وفنادقه ومعالمه السياحية. لكن هذا المشهد الذي يرافقك أثناء ولوجك المدينة سرعان ما يضمحل عند بعض الأحياء مثل لالالي، الفقير الذي يذكّر بضواحي بيروت المهمّشة. في هذا الحي، الذي ينحدر من منطقة أكسراي، تنتشر القمامة على جنبات الشوارع، وتكثر بائعات الهوى في الطرق الضيقة وفي المقاهي والمطاعم.
تصطاد الفتيات الزبائن، تقودهم في «نزهة قصيرة» إلى فندق رخيص في الجوار، أو قد تبدأ النزهة بـ«غداء عمل» على إحدى طاولات المطاعم الممتدة على طول الشارع، التي يبدو أن بعضها قد تعاقد مع فتيات من أوروبا الشرقيّة لجلب الزبائن من خلال الإغراء.
قد يمكن تسميتها مدينة المتناقضات حيث المساجد الكثيرة والمآذن والمحجّبات في مقابل علب الليل والمراقص والحانات والغانيات.
لقد بدأ حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الحاكم خططاً إصلاحية لتحسين وجه إسطنبول، منذ كان رئيس الحكومة الحالي، رجب طيب أردغان، رئيساً لبلدية المدينة. حينها، نجح في محاربة الفساد. لكن مشكلة الدعارة الكثيفة التي تشهدها المدينة، وبحسب قول المرشد السياحي التركي، هي في طريقها للمعالجة: «الحكومة الحالية تحاول أن تجعل إسطنبول مؤهلة لتكون إحدى أهم مدن الاتحاد الأوروبي مستقبلاًتشهد المدينة حركة عمرانية ضخمة وبناء فنادق فخمة، فالكثافة السكانية وحركة السياحة تدفعان قدماً إلى التطوير، وخصوصاً إذا ما علمنا أن في إسطنبول وضواحيها أكثر من 12 مليون نسمة، يعيشون على مساحة تقدّر بـ 5220 كيلومتراً مربعاً.
لعل أهم أسواق المدينة، السوق المغطّى «غراند بازار». هو المكان المفضّل لدى السياح، يحتوي على 4000 محل تجاري وفيه 8 شوارع كل منها متخصص في مجال.
أمّا شارع الاستقلال، فهو معلم سياحي وتجاري بحد ذاته. هو من أشهر شوارع إسطنبول، حيث يحلّ فيه يومياً ما يقارب 3 ملايين شخص. طوله تقريباً ثلاثة كيلومترات ويحوي الكثير من المباني الأثرية ومحال ملابس والمعارض والمكتبات ودور السينما والملاهي الليلية، ويخترقه مترو قديم أقيم منذ العهد العثماني. إضافة إلى ذلك، يضم الشارع العديد من السفارات والقنصليات والإدرات الهامة.
تكثر في إسطنبول مطاعم المطبخ التركي الذي يشتهر بيخنات البندورة والخضار مع اللحم أو الدجاج، إلى جانب «الدونر كباب» أي الشاورما. لكن هذا لا يمنع وجود مطاعم عالمية معروفة إلى جانب مطاعم المأكولات التركية التي تنتشر بكثافة في بعض أحياء إسطنبول.
الشعب التركي، رغم تعصبّه لقوميته ولغته، وأحياناً لدينه، يعطي البعض منه هامشاً للحوار والمزاح أحياناً مع الزائر، هذا ما أمكن ملاحظته في سيارة الأجرة إلى منطقة الفاتح؛ يسأل السائق عن جنسية الراكب، وعندما يجيبه «لبناني» يسأله عن حزب الله و«حماس»؛ فبالنسبة إلى معظم الناس هنا، قضية لبنان مرتبطة بقضية فلسطين عضوياً. يرفع السائق إبهامه إعجاباً قائلاً: «نصرالله قبضاي». وكثير من التجّار أو السائقين يسألون السائح عن ديانته، فإذا أجاب «أنا مسلم» قال مضيفه «الحمد لله». وقد يُسهم ذلك في خفض تعرفة السلعة أو أجرة النقل إكراماً لديانة السائح.
ربما كان موقع المدينة الاستراتيجي لكونه نقطة عبور بين قارّتين قد جعلها تؤدي دوراً هاماً في العديد من المجالات السياسية والثقافية والتجارية بين آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا، وخاصة بين المتوسط والبحر الأسود. غير أن السياحة في هذا البلد، من غير شك، هي من القطاعات الاقتصادية المهمة، بسبب دورها في الحد من العجز التجاري.
لذلك، تعجّ المدينة بالسيّاح من كل حدب وصوب لتصبح مدينة «عالمية» بامتياز. هنا في إسطنبول تنتهي الرحلة، حيث يمكن السائح أن يشاهد ما لا يمكن مشاهدته في المناطق التركية الأخرى.