قمّة بروكسل ظهّرت عجز الاتحاد عن التعامل بندّية مع موسكونيويورك ــ نزار عبود
لم تكن قمّة الـ27 زعيماً أوروبيّاً في بروكسل، الاثنين الماضي، عادية، رغم النتائج الهزيلة التي تمخّضت عنها بكل المعايير. القمّة خرجت بتهديدات، رأى دبلوماسيون أنها كانت «جوفاء». فالتهديد أو التلميح لروسيا بالعقوبات «كمن يطلق النار على قدمه»، حسبما يقول المثل الأميركي. التاريخ برهن عقم محاصرة دولة نفطية، فما بالك إذا كانت تلك الدولة روسيا التي تعتمد عليها أوروبا حيوياً في قسم كبير من إمداداتها من الغاز والنفط؟
زعماء أوروبا اكتفوا بتهديد موسكو بتجميد مفاوضات الشراكة الأوروبية ــــ الروسية. وليس سراً أن الأوروبيين يريدون تلك الشراكة أكثر من الروس. فمن دونها لن يكون هناك تعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي في جملة من الملفات الاقتصادية، ولا سيما الطاقة.
والمؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في ختام القمة، حمل رسالة تودد إلى موسكو، طالباً إبقاء شعرة صداقة بين الاتحادين الأوروبي والروسي؛ فقد استبعد ساركوزي ضم أوكرانيا إلى أوروبا، وهو ما يمكن تفسيره بأن الأخيرة استوعبت الدرس الروسي في جورجيا. وقال ساركوزي «بوسع الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا عمل الكثير لتعزيز العلاقات القائمة بينهما قبل النظر في عضوية كييف المحتملة في الاتحاد».
التهديد لروسيا بتجميد مباحثات الشراكة اقترن بشرط ملطّف من جانب الأوروبيين، الذين طالبوا موسكو بسحب قواتها من المنطقة العازلة في جورجيا. ورأى دبلوماسي روسي في نيويورك في الشرط «تساهلاً كبيراً من جانب الأوروبيين الباحثين عن مخرج من أزمة تفوق قدرتهم على التصدي». فروسيا لم تقل في يوم من الأيام إنها تنوي المكوث في الأراضي الجورجية. ويكفيها ما سيطرت عليه من مواقع استراتيجية مطلّة من جبال القوقاز في أوسيتيا وأبخازيا على البر والبحر الأسود. كما أنها لم تخف نيتها في تعزيز الدعم العسكري للدولتين الوليدتين بإقامة قواعد عسكرية روسية دائمة، قواعد قادرة على رصد كل التحركات داخل جورجيا من الشمال إلى الجنوب، وعلى عزل العاصمة تبيليسي.
كذلك حددت المجموعة الأوروبية خطة النقاط الست التي قرأها نيكولا ساركوزي في 12 آب الماضي كسقف أعلى لما هو مطلوب من روسيا في جورجيا. والروس لم يتوقفوا منذ إعلانها عن تأكيد تمسّكهم بها، ودعوتهم إلى إرسال مراقبين لحفظ السلام في جورجيا. لكن تبيليسي، بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع موسكو، أرادت استباق الأمور لمنع تطبيق خطة النقاط الست، لكونها تسمح بنشر مراقبين عسكريين من روسيا في الأراضي الجورجية، ولا تحدد عددهم. القرار الجورجي لن يعجب الأوروبيين الذين لا يخفون ضيق صدرهم بالرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي وتصرفاته.
الأوروبيون أرادوا من تهديداتهم بتجميد معاهدة الشراكة، بعث رسالة تضامن مع الموقف الأميركي الذي شعر «بالفشل والهزيمة في جورجيا». فالروس لم يكتفوا بهزيمة الجيش الجورجي، بل صادروا كميات كبيرة من الأسلحة الأميركية والإسرائيلية على جانب كبير من السرية. ولوحظ أن الأميركيين كانوا شديدي الحرص على استرجاع 7 عربات مدرعة من طراز «هامر». واستغرب كثيرون سبب هذا الإصرار. لكن أحد الدبلوماسيين في نيويورك فسّره بأنه عائد إلى كون «كل مدرعة منها كانت تضم غرفة عمليات إلكترونية متطورة. ولم يكن الأميركيون يتصورون أن حلفاءهم الجورجيين سيتركونها قرب مدينة غوري ويفرّون بمثل هذا الاستخفاف بقيمتها العسكرية».
«الأخبار» سألت دبلوماسيّاً روسيّاً عن تلك العربات، فقال إنها وقعت «في أيدي عصابات محليّة إبّان المعارك، فصادرتها قوات الجيش الروسي منهم لكي لا يساء استخدامها». ولم يعلّق على ما تضمّنته من معدات وعتاد. لكنه أكد أنها «ليست تقليدية». أما عن تجميد المفاوضات بشأن الشراكة مع روسيا، فأوضح أنها ليست المرة الأولى التي يحدث ذلك. بل إنه تكرار لما حدث من تأزّم مع بولندا تارة وأخرى مع ليتوانيا. لكن الأمور بقيت في خانة الضغوط السياسية، ولم تصل إلى حد القطيعة.
لا أحد يتوقع أن تمر هذه الأزمة من دون تداعيات على المدى الاستراتيجي. فرغم أن الصراع لم يعد قائماً بين شيوعية ورأسمالية، إلا أن النزاعات القومية لا تقل خطورة عن الإيديولوجية. وإذا كانت أوروبا وحليفتها الولايات المتحدة ستقبلان بتسوية في المرحلة الراهنة، إلا أنهما ستعملان على التسريع في إيجاد بدائل للطاقة، وإن كان هذا الحلم لن يتحقق في المدى القريب. وفي المقابل، ستعمل روسيا أكثر فأكثر على توطيد علاقاتها بالدول الإقليمية المؤثرة، مستفيدة من سطوتها العسكرية والاقتصادية المتنامية. فروسيا حققت فائضاً مالياً لا يقل عن 500 مليار دولار بفضل فارق سعر النفط وحده بين عامي 2001 و2007، إضافة إلى أن قيمة معظم ما تنتجه من مواد أوّلية ومعادن ثمينة تضاعف مرات عديدة خلال السنوات القليلة الماضية.