Strong>علاقة تقوم على المصالح المشتركة بعيداً عن الإيديولوجيا... وعقدتها الشيشان التقارب الروسي ـــ السعودي حديث الولادة، وبالتالي لا يزال هشّاً وتحكمه مصالح تبادلية بين الرياض وموسكو. الخشية تجمع العاصمتين، الأولى من إيران والثانية من التطرّف السني في محيطها، وبناءً عليهما تبني الدولتان علاقاتهما، وربما المقايضة

ربى أبو عمو
كان متوقعاً أن تعلن سوريا، الدولة الحليفة لموسكو، دعمها لمواقف روسيا الاتحادية في حربها ضدّ جورجيا. إلّا أن زيارة الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان إلى العاصمة الروسية أول من أمس، ولقاءه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، يمثّلان حدثاً جللاً بحدّ ذاته، وخصوصاً بعد إعلان نائب رئيس الحكومة الروسية للشؤون الدولية، يوري أوشاكوف، «أن السلطات السعودية تتفهم ما قامت به روسيا خلال الأزمة في أوسيتيا الجنوبية».
«تفهّم» قد يكون مربكاً في ظل التحالف السعودي ــــ الأميركي غير القابل للاهتزاز، لكن هناك حلقة مشتركة أيضاً تجمع الرياض وموسكو، وهي الاتفاق على تسوية أزمة الشيشان. هذه الأزمة النائمة تمثّل لبّ الخلاف بين السعودية وروسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. عودة الحديث عن هذا الملف مرده إلى خشية من إثارته مع بدء النزاع الجورجي ـ الأوسيتي، وتحسّب موسكو من التطرّف السنّي.
مجموعة من الأزمات اعترت العلاقة بين الرياض وموسكو خلال القرن الماضي؛ التقارب بين روسيا والرئيس العراقي السابق صدام حسين وبيع الأسلحة إلى بغداد، أثارا غضب السعودية من نفوذ سني آخر قد ينافسها على الساحة العربية. هذا عدا عن بيع الاتحاد السوفياتي السابق إيران الصواريخ والتكنولوجيا النووية.
كما لم تكن السعودية راضية عن توسّع إنتاج النفط الروسي خلال فترة انخفاض أسعاره. إلّا أن الكرملين تخلّى عن زيادة الضرائب الناتجة من توسّع إنتاج النفط بهدف إرضاء الرياض، لتردّدها في الاستثمار في الاقتصاد الروسي المضطرب آنذاك.
روسيا، من جهتها، كان لديها مآخذ أساسية على السعودية، وهي أنها كانت تموّل الانفصاليّين الإسلاميّين في الشيشان، رغم زعم الرياض أنها تساعد فقط اللاجئين الشيشان لا المتمردين. ورأت روسيا أيضاً أن السعودية كانت تدعم جهود طالبان لإيذاء المصالح الروسية (على سبيل المثال، قدمت طالبان الملجأ للحركة الإسلامية في أوزباكستان، التي شنّت هجمات في وسط آسيا). إضافة إلى ذلك، اتهمت موسكو المنظمات الخيرية الإسلامية في السعودية بتبني دعم الإسلام الراديكالي في موسكو والجمهوريات السوفياتية السابقة.
التوترات بين الحكومتين الروسية والسعودية تصاعدت بعد إعادة احتلال موسكو للشيشان في أواخر عام 1999، وبعد أحداث 11 أيلول على خلفية اتهام بوتين للسعودية بعدم بذل جهد كبير للقضاء على الإسلاميين المتطرفين.
الدعم السعودي الرسمي للشيشانيين لم يتوقف حتى العام الماضي، بحسب مصدر مقرّب من الحكم في روسيا لـ«الأخبار»، «بل عمدت الرياض إلى صقل هذا الدعم وفق أجندة أميركية لزعزعة الاستقرار الروسي». الأمر تغيّر. والدعم أيضاً، وخصوصاً بعدما تكشّف للجانبين أن الأصولية السنية خطر مشترك.
منذ فترة ليست بالبعيدة، ذابت التوترات بين البلدين وغابت قصة الشيشان عن التداول. عام 2003 شهد بداية الصلحة الروسية ــ السعودية، حين برّر وزير الخارجية الروسي آنذاك، إيغور إيفانوف، انتقاد بوتين السابق للرياض. وجاء الرد سريعاً من جانب السعودية، التي رأت أنّ الشيشان مسألة روسية داخلية، على أن يقتصر دور الرياض على تقديم المساعدات الإنسانية لللاجئين. تكرّست هذه المصالحة بزيارة ولي العهد آنذاك، عبد الله، إلى موسكو في أيلول من العام نفسه. لم يأتِ هذا الصفاء من فراغ، بل جاء نتيجة عوامل، أبرزها التدخّل الأميركي العسكري في أفغانستان والعراق، الذي أزال عاملين أساسيّين كثيراً ما حالا دون تقارب البلدين.
أما الحدث الأبرز في العلاقات، فكان زيارة بوتين إلى السعودية العام الماضي، ليبرهن أن بصمة روسيا في الشرق الأوسط لم تعد مرتبطة بالأيديولوجيا، بل باتت الاستراتيجية الروسية أكثر ارتباطاً بالمصالح التجارية. وأسفرت هذه الزيارة عن توقيع الحكومتين العديد من الاتفاقيات التجارية. كما اهتمت روسيا ببيع الأسلحة للسعودية وتطوير التكنولوجيا النووية.
ويقول المصدر نفسه إن زيارة بوتين إلى السعودية العام الماضي كانت بمثابة نقطة التحول في العلاقة بين البلدين. إلّا أن القلق السعودي يبقى حيال التقارب الروسي ــ الإيراني، وخصوصاً الاستثمار الروسي في البرنامج النووي الإيراني.
زيارة بندر قد تكون استكمالاً لما ذكرته صحيفة «كومرسانت» الاقتصادية الروسية عن أن الأمير السعودي قدّم مقترحات إلى موسكو تعدها بعقود مغرية في مقابل تخفيف تعاونها مع طهران.
من هنا، تظل خطة دعم المتمردين الشيشان ورقة بيد السعودية، رغم إدراكها أن روسيا لن تفرّط بمصالحها الاستراتيجية.