نيويورك ــ نزار عبودينظر الكونغرس الأميركي خلال أيلول الجاري في صفقة الـ20 مليار دولار من الأسلحة الأميركية المتطورة، التي أوصى الرئيس جورج بوش ببيعها إلى دول الخليج، ومعظمها سيذهب إلى السعودية. الصفقة بقيت رهن التعتيم منذ منتصف الصيف، وتأتي في إطار تعزيز قوة «الحلفاء المعتدلين في وجه التطرف» عن طريق تزويدهم بصواريخ جو ـ جو، وقنابل متطورة دقيقة التوجيه بالأقمار الاصطناعية، وبرنامج تحديث للطائرات والقطع البحرية.
لكن الكثير من المحللين الأميركيين يرون أن موافقة الكونغرس على الصفقة ستكون بمثابة اختبار للثقة باستقرار النظام السعودي أكثر منه موافقة على بيع الرياض أسلحة يفترض أن تستخدمها في أي حرب مقبلة ضد إيران؛ فالأميركيون تعلموا على مدى الخمسين سنة ماضية أن أسلحتهم غالباً ما تنتهي إلى مستودعات خصومهم بسبب الثقة المفرطة بوضع حلفاء يفتقرون إلى المقومات الديموقراطية والشعبية، وأحياناً إلى أي نوع من العقائد الجامعة.
من فيتنام إلى إيران والعراق وفلسطين ولبنان وأخيراً جورجيا، لم تحمِ الأسلحة الأميركية المتطورة «الأصدقاء» لأنهم «لم يحموا المبادئ الأميركية بإخلاص». حصلوا على عتاد، لكنهم كانوا ينتظرون أيضاً الجنود على نمط حرب الكويت.
غير أن الأمور تبدلت كثيراً. فلم تعد لا الولايات المتحدة ولا منظمة حلف شمال الأطلسي قادرة على تزويد الحروب بالجنود. وباتت عضوية الحلف تعني تقديم المال والجنود والعتاد للراعي الأميركي. وأصبح مطلوباً من الحلفاء أن يكونوا ملتزمين القضايا الأميركية إلى حد دفع ضريبة الدم.
أكثر من مئة عضو في الكونغرس أعربوا عن معارضتهم للصفقة السعودية بحجة الخشية على اختلال توازن القوى مع إسرائيل، التي تلقت تعهداً بأسلحة بقيمة 30 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، أي بزيادة 43 في المئة عما تلقته في السنوات العشر الماضية.
وعلى أثر بدء الكلام عن الصفقة في نهاية تموز الماضي، نشرت الصحف الأميركية تشكيكاً في ولاء المملكة ومدى إمكان الثقة في التحالف معها. وتساءلت عن مغزى الصفقة في الوقت الذي لم تتوقف فيه السعودية «عن أداء دور سلبي في العراق»، إذ لا تزال الرياض تصدّر 40 في المئة من الانتحاريين إلى العراق وتمول عملياتهم سواء من المصادر الرسمية أو الشعبية، بحسب المصادر نفسها.
الأميركيون، ومن ورائهم الإسرائيليون، ينظرون إلى السعودية كمعين لا ينضب من الإرهاب. فكلما أعلنت الرياض اعتقال العشرات أو المئات، استُخدم ذلك دليلاً على أن عدد المتخفّين أكبر بكثير. بل إن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية حذّرت من أن نشاط «القاعدة» اخترق القوات الجوية السعودية. وأن بعض الضباط فكر في خطف طائرات مقاتلة واستخدامها في هجمات انتحارية في المنطقة. وسخر رجال سياسة وإعلام في الولايات المتحدة من التحالف مع دولة «لم تحرز أي تقدم على الطريق الديموقراطي». وتمارس «أشد درجات القمع والإكراه بحق المرأة» و«تتجاهل قوانين حقوق الإنسان».
إدارة بوش اشترطت على السعودية حرمان الطائرات المقاتلة والقذائف الصاروخية التقنية التي يمكن أن تجعلها خطراً على إسرائيل. واشترطت وضعها في أماكن بعيدة عن الحدود الشمالية الغربية. لكن كيف يمكن تلك الأنظمة أن تطال عمق إيران، كما ترتجي الولايات المتحدة، ولا تطال إسرائيل الأقرب إليها؟.
المعارضون لصفقة الأسلحة يذكّرون الإدارة الأميركية بأن بيع الأسلحة للرياض ليس من أجل «دعم الديمقراطية، أو إيفاءً للالتزامات سلمية». وأن إرسال الأسلحة إليها لن يخدم العملية الاستراتيجية الأميركية، بل قد يؤدي إلى حدوث سباق تسلح في المنطقة ليس في مصلحة إسرائيل، على قاعدة أن روسيا والصين قد تعمدان إلى إرسال أسلحة مضادة متطورة إلى الحليفين السوري والإيراني باعتبار أن الرياض محسوبة على المعسكر الغربي. ويقول هؤلاء إن مسألة وضع رقابة مشددة على الأسلحة السعودية لن يكون ميسّراً. ويسوقون مثالاً على ذلك أن إيران لا تزال تستخدم طائرات من طراز «أف ـ 14» وتحصل على قطع غيار لها بطرق ملتوية رغم الحظر المفروض منذ السبعينيات.
لذا طلب مجلس النواب الأميركي من الإدارة الأميركية أخيراً إحاطة مفصّلة بحيثيات الصفقة. ومن المنتظر أن تجري الإحاطة في وقت قريب. وفي مقدمة المعارضين الديموقراطي من كاليفورنيا توم لانتوس، رئيس لجنة المجلس لشؤون العلاقات الخارجية. لانتوس يرى أن دول الخليج لن تلجأ لشراء الأسلحة من مصادر أخرى «لأنها تتلقى حماية من الولايات المتحدة لن تحصل عليها من أي جهة كانت». وأعلن النائبان الديمقراطيان، أنطوني فاينر وجيرولد نادلار، أنهما سيقدمان مشروع قرار يمنع الصفقة عندما تتقدم الإدارة بمذكرتها الرسمية النهائية. وتلقّيا رعاية للمشروع من سبعة نواب آخرين.