يوم الجمعة، كتبت صحيفة «توركيش دايلي نيوز» أنه «إذا لم تحصل أعجوبة، فسيكون عبد الله غول يوم السبت في يرفان». لم تحصل الأعجوبة، وكثر فركوا عيونهم ليصدقوا أنّ رئيس تركيا موجود على الأراضي الأرمينية فعلاً
أرنست خوري
«غزل كلامي واقعي» من دون «كذب دبلوماسي» تخلّل كلمات الرئيسين عبد الله غول وسيرج سركيسيان قبل المباراة التي جرت من ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2010 وبعدها، والتي أثبتت فيها الكرة التركيّة تفوّقها على نظيرتها الأرمنية. وقدّم غول وسركيسيان درساً في العلاقات الدوليّة، مفاده أنّه في حال وجود نيّة سياسية مشتركة، يمكن وضع اللبنة الأولى لحلّ خلافات مستعصية لم يكن العقل البشري قادراً على التصديق أنها يمكن أن تحلّ في يوم من الأيام، بما أنها تمسّ التاريخ والذاكرة الشعبية...
إلا أنّ غول وسركيسيان اتفقا خلال أقل من ساعتين من اللقاء، على جملة من المواضيع، وعلى الأقلّ وضعا الخطوط العريضة لخطوات ملموسة قد تحتاج مع غيرهما إلى سنوات من الاجتماعات الماراثونيّة.
6 إجراءات وقرارات أولية، لكنها مركزية، خرجت من لقاء الرئيسين، منها ما أُعلن رسمياً، ومنها الآخر كشفت عنه الصحف التركيّة من دون أن تلقى تكذيباً من أنقرة ولا من يرفان:
1ــ الاتفاق على تأليف لجنة برئاسة وزيري خارجية البلدين (علي باباجان وإدوار نلبنديان) يجتمعان بصورة دوريّة وبصفة «استشارية» لحلّ الخلافات الثنائية الكثيرة. ولهذه الغاية لم يغادر باباجان أرمينيا مع رئيسه، وبقي في يرفان لمتابعة تفاصيل ما اتّفق الرئيسان على خطوطه العريضة.
2ــ تأليف لجنة مشتركة من أكاديميين ومؤرخين لوضع صيغة ترضي الطرفين والشعبين من «الإبادة الأرمنية»، وهو ما يُعَدّ إنجازاً جديداً يُسجّل في رصيد رجب طيب أردوغان الذي سبق أن اقترح هذه الفكرة في عام 2005 ورفضها الحكّام الأرمن في حينها.
3ــ الاتفاق على فتح الحدود التركية مع أرمينيا في مرحلة أولى أمام المساعدات الإنسانية في انتظار ما ستؤول إليه العلاقات الثنائية ومستوى العلاقات الدبلوماسية التي تقرّر البدء بتفعيلها.
4ــ حظيت تركيا بدعم مهم من أرمينيا لـ«منتدى الاستقرار في القوقاز» الذي تعمل أنقرة على إنشائه ليضمّ 5 دول (روسيا وجورجيا وتركيا وأذربيجان وأرمينيا).
5ــ قبول سركيسيان دعوة نظيره لردّ الزيارة وذلك في 14 تشرين الأول من العام المقبل لحضور مباراة الإياب من التصفيات نفسها في إسطنبول. وسيكون سركيسيان أيضاً الرئيس الأرميني الأول الذي يزور تركيا.
6ــ الاتفاق على عقد قمّة ثنائية بين غول وسركيسيان على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة المرتقبة في نيويورك نهاية أيلول الجاري.
زيارة غول وما رافقها جسّدت حقيقة العلاقات التركية ــ الأرمينيّة المليئة بالحقد المتبادل الذي لم يفارق بعد نفوس طيف واسع من الشعبين. إلا أنها عكست في الوقت نفسه، الرغبة المشتركة لقيادتي البلدين بحسم المعضلات السياسية والثقافية والتاريخية. فقد وصلت طائرة غول بعد ظهر أول من أمس السبت، وأُقفلت الطرق أمام المرور من المطار إلى القصر الرئاسي حتى مغادرة الضيف مساءً، ترافقها مروحيات حربية وعشرات آلاف رجال الشرطة الأرمنية والتركية الخاصّة. وكان للإجراءات الاستثنائية هذه مبرراتها، فقد تجمهر عدد كبير من الغاضبين من زيارة الوفد التركي على طرفي الطرق مندّدين ومذكّرين بأنهم «أحفاد الإبادة». تظاهرات رافقت غول إلى الملعب حيث وُضع في غرفة زجاجية مضادّة للرصاص... وللهتافات المعادية التي كسر من حدّتها العديد من الأرمن «المسالمين» الذين حملوا العلمين التركي والأرميني في مشاهد غير مسبوقة.
وعكست عناوين الصحف التركيّة القيمة السياسية للزيارة في «تاريخيتها»، من دون أن يمنع ذلك صحيفة «جمهورييت» المتحدثة باسم عتاة القوميين الأتراك من حصر تباهيها بالفوز الذي حقّقه منتخب بلادها «رغم عدائية الجمهور الأرميني».