باريس ــ بسّام الطيارةمرّة جديدة، يؤدي التنافس بين اللغتين الفرنسية والإنكليزية على صعيد الدبلوماسية الدولية، دوراً في تعقيد الملفات. فقد اعترف وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، بأن «خطأً في الترجمة» أسهم في إيجاد تفسيرين مختلفين لدى الروس والجورجيين لخطة السلام التي اقترحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في ١٢ أب المعروفة بـ «خطة النقاط الست».
وجاء كلام كوشنير في ختام لقاء «غير رسمي» لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي استمر يومين في أفينيون الفرنسية.
وطفا عدد من الأسئلة في الإعلام عن «تنفيذ روسيا التزاماتها أو لا» بحسب هذه الخطة، وهو ما فسّره البعض بأنه قد يكون «نقطة ضعف في خطة ساركوزي». بينما عزاه آخرون إلى صعوبة تفسير هذه الخطة، وعلى الأخص في ما يتعلق بانسحاب الجنود الروس من المناطق الأمنية التي أقاموها حول أبخازيا وأوسيتيا.
وعند الاستفسار من كوشنير، أجاب: «إنها الترجمة كالمعتاد»، في إشارة إلى النسخة الفرنسية التي بُني الاتفاق عليها قبل ترجمتها إلى الروسية. وأضاف أن الأمر أدى إلى «صعوبات في التفسير». ورغم تأكيد أكثر من مصدر، ومنهم كوشنير نفسه، وجود عدد من الأخطاء في الترجمة، إلا أن رئيس الدبلوماسية الفرنسية شدّد على وجود خطأ محدّد، وهو يتمحور حول عبارة «أمن أوسيتيا» (وأبخازيا) التي فُسّرت بالإنكليزية «الأمن في أوسيتيا» (وأبخازيا).
وكان مسؤول روسي أول من كشف النقاب عن هذا اللغط، موضحاً أن النص الموقع باللغة الفرنسية يشير إلى أمن أوسيتيا (de lOssétie du Sud) وهكذا ترجمت في اللغة الروسية. بينما النسخة المسلَّمة لرئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي ترجمت باللغة الإنكليزية بـ«الأمن في أوسيتيا» (In).
ويرى مراقبون أنّ الترجمة تغيّر المعنى كثيراً في هذه الوثيقة، لأنها يمكن أن تؤثر على تحديد «المنطقة العازلة» التي أنشأها الجيش الروسي في جورجيا، إذ إن الانسحاب الروسي الذي تراه الدول الغربية «غير مكتمل» طبقاً للخطة، يتعلق أساساً بتلك المناطق الفاصلة.
وقارن أحد الدبلوماسيين أزمة الترجمة في حرب القوقاز، بـ«القرار ٢٤٢» الذي صدر بعد حرب 1967، والذي يطالب حسب النسخة الفرنسية بالانسحاب «من الأراضي المحتلة» (مع أل التعريف) بينما أتى التعبير في الإنكليزية «من أراضٍ محتلة».
وذكر كوشنير أن ساركوزي وجّه «رسالة توضح تلك النقاط بحسب تفسيرنا بالفرنسية، بما أننا نحن من صاغها واقترحها»، وهي إشارة قرأها البعض بأنها توضح بشكل غير مباشر «الخلاف الأساسي» بين المتشددين الذين يريدون أن تنسحب روسيا تماماً من المقاطعتين، و«الوفاقيين» الذين يفضّلون تجنُّب استفزاز موسكو «والاعتراف بالحقائق على الأرض».
وقد قرّر الوزراء دعم نشر بعثة مستقلة تابعة للمنظمة الأوروبية الأمنية والدفاعية في إطار وجود منظمة الأمن والتعاون في أوروبا هناك، حسبما ذكر منسق السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا.
أما في البعد الأوكراني للعلاقات مع روسيا التي استحوذت على معظم أوقات المجتمعين، فمن المقرر أن يعلن الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا مجدداً رغبتهما في التقارب خلال القمة التي تعقد غداً بين ساركوزي (بصفته رئيساً للدورة الحالية للاتحاد) ونظيره الأوكراني فيكتور يوتشينكو على ضفاف بحيرة ليمان في إيفيان (شرق فرنسا).
لكن حسبما ذكر أحد المقربين من الملف لـ«الأخبار»، فإن الأمور «لن تُسَرَّع بتاتاً، لا بل على العكس»، وخصوصاً في ظل الأزمة السياسية التي تجتاح كييف بين مؤيد للتشدد مع موسكو والنزوع نحو الغرب، ومؤيد لتبريد الأزمة والانتظار. اتجاه لمّح إليه وزير الدولة الفرنسي للعلاقات الأوروبية جان ــ بيار جويه عندما جزم قائلاً إن «ترشيح انضمام أوكرانيا (إلى الاتحاد الأوروبي) لن يُعتَرف به خلال القمة»، في تكملة لما اقترحه كوشنير أول من أمس عندما دعا إلى «التهدئة» قبل البحث في هذا الأمر. وهو ما أشار إليه البيان الختامي للوزراء الذي تحدث عن «اتفاق شراكة» لا «انضمام».