أرنست خوريعادت المحاكم التركيّة إلى العمل أمس، بعد شهر من العطلة السنويّة. آخر استطلاعات الرأي يفيد بأنّ الثقة الشعبية بالجهاز القضائي في البلد ضئيلة. ربما لهذه الأسباب، تولّت أكبر مجموعة اقتصاديّة في البلاد، «دوغان»، الواجهة الاقتصاديّة للمعارضة العلمانية للعسكر، ومالكة الصحف (حرييت وملييت، ووطن وراديكال)، والتلفزيونات والإذاعات وشركات نفط وأعمال وسياحة وتجارة وتأمين وصناعة... شنّ حملة هائلة على رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، على خلفيّة فضيحة ماليّة باتت تُعرَف منذ نحو أسبوع، بقضيّة «دنيز فينيري»: وهي أكبر مؤسسة خيريّة إسلاميّة تركيّة، لها فروع أبرزها في ألمانيا (حيث تعيش أكبر جالية تركية في الخارج). والفرع الألماني يُحاكَم هذه الأيام في فرانكفورت بأكبر عمليّة «تبييض أموال» وفساد مالي في تاريخ القضاء الألماني.
وبحسب رواية الادّعاء، التي تبنّتها وسائل إعلام مجموعة «دوغان» وحزب المعارضة الرئيسي «الشعب الجمهوري»، فقد حوّلت المؤسسة من ألمانيا مبالغ هائلة من أموال المتبرّعين (تصل حسب «حرييت» إلى 18.6 مليون يورو) إلى مؤسسات إعلاميّة وسياسية إسلاميّة محافظة داخل تركيا، مرتبطة بالحكومة، لتوزيعها على فقراء ومنكوبين من كوارث طبيعية ضربت تركيا أخيراً، وهم محسوبون على شعبيّة «العدالة والتنمية».
وكما تقول الرواية، فإنّ رئيس مجلس الإعلام المرئي والمسموع في تركيا، زاهد أكمان، الذي عيّنته حكومة أردوغان، متورّط بشكل أساسي، حتّى إن «ملييت» كشفت عن أنّ القضاء الألماني يمنعه من دخول ألمانيا حتّى عام 2012، وهو ما نفاه أكمان طبعاً.
ونشرت «حرييت» عبارات حرفيّة من النصّ القضائي وفيه «لقد حاولت الحكومة التركيّة أن تؤثّر على مجرى التحقيق مرّات عديدة، وخصوصاً عندما أصرّت (ولا تزال) على إطلاق عدد من الشهود المركزيّين في قضية الفساد المالي وتبييض الأموال ونقلها إلى تركيا بشكل غير مشروع». وتشير الأخبار، التي أتت بها صحف المعارضة المذكورة، إلى أنّ مخطّط تهريب الأموال من ألمانيا كان يجري بحسب خطة مدروسة، كشف عنها المعتقلون في القضيّة، أبرزهم محمد طشقان وفردوسي ارميش اللذان أكّدا ارتباط اسمي أكمان وأردوغان بالقضيّة، بما أنه «كان مقرراً أن يسلّم أحد الرجلين المال المهرَّب إلى شخص يُدعى محمد غورهان ليسلّمه بدوره إلى أردوغان».
لا شكّ في أنّ أردوغان يدرك خطورة وضعيته، إذ هو يواجه حيتان المال والإعلام. وكعادته، يطيل في صمته قبل أن ينفجر. ولم يجد في دفاعه عن نفسه وحزبه الذي يعرف هذه الأيّام فضائح فساد عديدة، أفضل من شنّ هجوم مضادّ، كشف فيه عن أنّ فتح «دوغان» نيران الحرب عليه من باب «دنيز فينيري»، كان ردّاً من المجموعة على رفض حكومته إعطاء رئيسها أيدين دوغان، الحقّ بتوسيع غير مشروع لفندق «هيلتون» الذي يملكه في إسطنبول!