تكاثرت في الآونة الأخيرة في فرنسا ظواهر التفلّت من العلمانية لمصلحة اختلاط الشأن الديني بالعام. فبعد التطليق والمسابح الخاصة، جاء دور القضاء ليقيس إجراءاته على واقع صيام المتهمين
باريس ــ بسّام الطيارة
أفاقت فرنسا على خبر انتشر في دغل الإعلام كما تنتشر النار في الهشيم. فقد قررت محكمة رين (عاصمة بريتاني في غربي فرنسا) تأجيل محاكمة متّهم بعملية سطو بحجة «أنه صائم»، ما أقحم شهر رمضان في أتون معركة لا يستفيد منها ويغذيها إلا «المحافظون الجدد»، ويشاركهم في ركوب موجتها «مستثمرو الإسلام» وراكبو الموجة الإسلامية في أوروبا.
وتعود القصة إلى مطلع هذا الشهر، حين تقدم محامو أحد المتهمين بعملية سطو بطلب تأجيل المحاكمة، التي كان من المفروض أن تنطلق في الثاني من أيلول. ووافق قضاة المحكمة الجزائية على طلب المحامين بعدما كانوا قد رفضوا التماساً سابقاً. وسرب البعض أن قبول الالتماس الجديد يستند إلى كون «المتهم صائماً».
وقد اطّلعت «الأخبار» على بعض حيثيّات التماس محامي المتهم، ذي الأصول العربية. وجاء في بعضها أن الدفاع «لم ينتبه إلى أن فترة صيام رمضان هذه السنة» تصادف مع بدء المحاكمة. ويستطرد «وبالتالي فإن الموجبات المتعلقة بهذا الأمر» تدفعه لاعتبار «أن موكلنا لن يكون متمتعاً بكامل قواه لتأمين الدفاع عن نفسه».
ويبدو أن القضاة اقتنعوا بهذه الحجة المبنية على ممارسة دينية، رغم أن الدستور الفرنسي صارم في الفصل بين الشأن الديني والحياة المدنية في جميع حقولها. وهبت الجمعيات المدافعة عن العلمانية إلى التنديد بهذا القرار. ومن المتوقع ألّا تتوقف موجة الاستياء عند حدود الاستنكار والتنديد.
ومن الطبيعي أن الجميع التفت نحو «الوزيرتين اللتين تمثلان الهجرة العربية الناجحة والمندمجة في المجتمع الفرنسي»، أي وزيرة الدولة الفرنسية للسياسة المدينة فاضلة عمارة، ووزيرة العدل رشيدة داتي، التي لم يصدر عنها أي تعليق على القضية.
البعض فسّر الأمر بأنه بسبب «مبدأ فصل السلطات» وعدم تدخل وزيرة العدل في قرارات القضاء، بينما يقول آخرون إنه بسبب رغبتها بالابتعاد عن الإعلام هذه الأيام، وخصوصاً بعدما كشفت عن أنها «حامل في الشهر الخامس» رغم أنها غير متزوجة، وقد بررت هذا الأمر بقولها «إن حياتي معقدة جداً».
ولكن هذه لم تكن حال عمارة التي صرحت بأنها «تمنع نفسها من انتقاد قرار قضائي»، ولكنها لا تستطيع إلا أن تعبر عن «امتعاضها بسبب أنوثتها وعلمانيتها». واستطردت بأن العديد من «الفقراء يذهبون إلى عملهم وبطونهم فارغة بسبب العوز». وأكدت أن الدين لا علاقة له بالقضاء. وأضافت إنه «يوجد العديد من المسلمين الفرنسيين الذين يصومون ويذهبون إلى عملهم بصمت».
وذهب عدد من المعلقين في هذا الاتجاه. وحذر رئيس تحرير صحيفة «ليبراسيون»، لوران جوفران، «من جعل الإسلام ورمضان مثار تنديد بسبب هذه القضايا». ووصف ممارسة الصوم بأنها «ممارسة خاصة ومسالمة».
ويرى أكثر من مراقب أن هذه القضايا، «غير المهمة»، يمكن أن تمثّل خطراً لأنها تأتي تباعاً ومن فترة لأخرى، في إشارة إلى «تطليق امرأة بسبب غياب عذريتها» أو «تخصيص مسبح للنساء» إلى جانب بعض القرارات المناقضة لهذا التوجه مثل «رفض محكمة فرنسية منح الجنسية لمغربية منقبة»، وصولاً إلى ملف الحجاب، الذي ينتظر أن يعود إلى واجهة الإعلام بعدما طردت مدرسة في جزيرة «ريونيون» في المحيط الهندي، وهي مقاطعة فرنسية، ستّ فتيات من صفوف الدراسة بسبب الحجاب، مع العلم أن في الجزيرة عدداً كبيراً من الفرنسيين المسلمين لقربها من الصومال واليمن وجزر القمر.