أثبت الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال الفترة القليلة الماضية فاعلية حراكه الدبلوماسي، الذي تجلّى أخيراً في زيارته إلى روسيا وجورجيا. دبلوماسية قريبة من سياسة الأمر الواقع لـ«هضم الانتصار الروسي»
باريس ــ بسّام الطيارة
مهما كان موقف خصوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من شخصيته ومن سياسته، إلا أنه لا يمكنهم إلا الاعتراف بـ«ديناميته وفاعلية دبلوماسيته المتحركة»، التي أعادت «صورة وصوت» فرنسا إلى واجهة ملفات الأزمات العالمية، وهو أمر يكافئ عليه المواطن الفرنسي.
وانعكس رضى الفرنسيين زيادة ١١ نقطة لشعبيته، حسب آخر الاستطلاعات التي أعطته ٤٥ في المئة من المؤيدين، وسجلت تراجع أصحاب الرأي السلبي تجاهه من ٩٥ في المئة إلى ٥٢ في المئة، بعد قمة دمشق الرباعية وزيارته الخاطفة لانتزاع موافقة موسكو على سحب قواتها من الأراضي الجورجية «قبل العاشر من تشرين الأول».
وجاءت الأخبار عن «فورة غضب ساركوزي» خلال جولة التفاوض في موسكو، التي زادت على أربع ساعات، لتعطي زخماً «لحماسة الفرنسيين» في تأييد رئيسهم، وخصوصاً أنه هدد بترك طاولة المفاوضات، مشيراً إلى أن «عدم انسحاب القوات الروسية هو خط أحمر».
وبحسب أكثر من مصدر رافق الوفد الأوروبي، فإن أجواء اللقاء بين ساركوزي ونظيره الروسي ديمتري مدفيديف «كانت متوترة منذ البداية». وقال مصدر أوروبي مقرب من الملف إن هذا التوتر طبيعي بعد أسبوع من «تبادل التهم والتهديدات» وفي ظل ازدياد توتر في العلاقات الأميركية ـــــ الروسية «وزيارات الأساطيل المتبادلة». وأكد أن ساركوزي «هدد بالانسحاب والعودة إلى باريس»، خلال لقاء الوفدين الفرنسي والروسي بغياب مدفيديف، قبل أن يسرع الوفد الروسي إلى طلب عودة رئيسه، الذي دعا إلى الهدوء.
ورغم تأكيد المصادر الفرنسية أن «الغضب لم يكن مقصوداً»، إلا أن مصادر أوروبية تشير إلى أن «انسحاب مدفيديف كان مدروساً»، إذ إن الوفد الروسي تعمد أن يثير موضوع إلغاء انسحاب القوات الروسية مباشرة بعد ذلك، وأنه عندما «فشلت المناورة» وعاد الرئيس الروسي، تحلحلت الأمور ووُقِّع «اتفاق من ثلاث نقاط»، بينها ضمان انسحاب القوات الروسية إلى المواقع التي كانت تحتلها عشية تحركها للرد على هجوم القوات الجورجية.
وينص الاتفاق أيضاً على إرسال ٢٠٠ مراقب أوروبي قبل بداية الشهر المقبل لنشرهم في جورجيا في إطار مهمة الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية. وتأكد أنه يحق لهؤلاء المراقبين «الدخول إلى أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا»، بحسب قول الرئيس الفرنسي، الذي شدّد على أن مهمة هؤلاء هي «المراقبة والاطلاع والحؤول دون تكرار ما حصل».
لم يمنع هذا ساركوزي من التهديد، خلال زيارة تبليسي، باتخاذ إجراءات بحق روسيا إذا «بقي جندي روسي واحد بعد 10 تشرين الأول». وشدد على أن «أوروبا ستستخلص العبر بعد خمسة أيام» من هذا التاريخ «وتتحمل مسؤوليتها». ولكنه أكد أنه «لا يشك أبداً بأن هذا الانسحاب سيحصل».
وهذه الطمأنة لا تحول دون السؤال عن النتيجة الملموسة الواقعية لجولة المحادثات الثانية التي أفضت إلى اتفاق النقاط الثلاث بعد شهر من اتفاق النقاط الست؟
يتفق المراقبون على أن أوروبا وصلت إلى «استنتاج، أنه لا يمكن العودة إلى الوراء». ويقول دبلوماسي أوروبي: «يجب هضم انتصار روسيا». ويرفض الدبلوماسي أي انتقاد للاتفاق الأول الذي توصل إليه ساركوزي في ٦ آب، والذي يرى المتطرفون الأوروبيون أنه «أعطى الروس حق إبقاء جيوشهم»، مشيراً إلى أنه أفضل ما كان يمكن الحصول عليه في ظل «الدبابات الروسية والاختلال الفظيع لموازين القوى على الأرض».
ويقر الدبلوماسي بأن المؤتمر الدولي المقرّر عقده في ١٥ تشرين الأول لإعادة إعمار جورجيا «سيكرس هذه الواقعية»، أي انفصال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، حتى وإن لم يعترف باستقلالها.
ولكن لا يستبعد البعض أن يقود المؤتمر، الذي تشارك فيه موسكو، إلى «قبول روسيا بانضمام أوكرانيا وجورجيا» إلى الحلف الأطلسي بعد فترة طويلة، يصار خلالها «إلى مناقشة مطالب موسكو من كييف»، وخصوصاً المتعلقة بمرافئ البحر الأسود وقواعد أسطولها.
ويقول المصدر الأوروبي إن موسكو تعرف جيداً أن بعض الدول الأوروبية «لا تحبذ استعجال انضمام الدولتين إلى الحلف الأطلسي»، ومنها ألمانيا وفرنسا، فهي تريد إبقاء «دول تؤدي دور الحاجز» بينها وبين الدب الروسي. هكذا كان دور بولونيا تاريخياً.