واشنطن ــ محمد سعيد ما إن أنهى الجمهوريون والديموقراطيون الأميركيون مؤتمريهما حتى بدآ التحضير للمعركة الأخيرة التي ستجرى في تشرين الثاني المقبل. ويبدو أن المرشح الجمهوري جون ماكاين لا يحاول فقط النأي بنفسه عن حزبه الذي خلّف وراءه الكوارث، وإنما يبغي أن يسطو على برنامج التغيير لمنافسه الديموقراطي باراك أوباما.
والمنافسة المحمومة تظهر من خلال استطلاعات الرأي، فبعد انتهاء المؤتمر الديموقراطي، أظهر استطلاع للرأي تقدّم أوباما على ماكاين بثماني نقاط، وحين انتهى المؤتمر القومي الجمهوري، الأسبوع الماضي، أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد «غالوب» أنّ ماكاين يتقدّم على منافسه بأربع نقاط للمرة الأولى منذ شهر كانون الثاني الماضي. كما أظهر الاستطلاع أنّ حملة ماكاين تلقّت زخماً شعبياً قوياً بعد اختياره لحاكم آلاسكا سارة بالين مرشحة لمنصب نائب الرئيس.
ويقول محللون إنّ تقدّم ماكاين كان متوقعاً، إذ عادة ما يسجل المرشحون تقدّماً عقب مؤتمرات أحزابهم، إلا أنّه نادراً ما يستمر إلى النهاية. هذا التقدم للمرشح الجمهوري ترافق مع ظهوره بحلّة جديدة، فقد أراد النأي بنفسه وحملته تدريجاً عن سياسات حزبه، وراح يهاجم ممارسات بعض أقطابه الذين قال فيهم «جاؤوا إلى واشنطن ليغيروها، فإذا بها تغيرهم وتضللهم بإغراءاتها».
ويقول المحلّل السياسي، جو كلاين، «كانت هذه المرة الأولى التي أسمع فيها مرشحاً للرئاسة يعترف بفشل حزبه»، مشيراً إلى أن ماكاين يظن أن السبيل الوحيد لوصول جمهوريّ إلى البيت الأبيض، هو وعد الناس بحزب مختلف تماماً.
ولم يكن ماكاين وحده من أدرك خطورة الاقتراب الشديد من الحزب، فقد أصبح عبئاً ثقيلاً على كل ذي طموح سياسي، إذ غاب عن المؤتمر السيناتور تشاك هاغل والمخضرم ريتشارد لوغر، اللذان أبديا تعاطفاً حذراً مع أوباما.
وكان اختيار ماكاين لسارة بالين، التي لم تلوث بعد بمفاسد واشنطن والمتمسكة بمبادئ المحافظين، جزءاً من مساعيه للتخلص من المعسكر الجمهوري القديم، حتى إنّ الجمهوريين أنفسهم اختفوا من الساحة الانتخابية، بعدما أيقنوا أنّ ظهورهم سيضرّ أكثر مما ينفع؛ فالرئيس جورج بوش خاطب المؤتمر عن بعد بحجة إعصار «غوستاف»، ونائبه ديك تشيني طار إلى جورجيا. ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، الذي رُدمت ذكراه في مستنقع العراق، لم يكن حاضراً أيضاً.
ولم يكتف ماكاين بالابتعاد عن الجمهوريين وكوارثهم، بل آثر السطو على البرنامج الانتخابي لأوباما لما رأى فيه من وقع السحر على الجماهير المتعطشة إلى التغيير. وتقول أريانا هوفنغتون، صاحبة المدونات السياسية الأميركية المعروفة، إن «تصديق الخطاب الإصلاحي الذي يتبناه ماكاين يتطلّب أن يظن المرء أن قاطن البيت الأبيض هو ديموقراطي ولم يصوت ماكاين إلى جانبه على مدى سبع سنوات».
لكن في المقابل، يشير الكاتب اليميني، مايكل جيرسون، إلى أن خطاب قبول ترشيح ماكاين لم يحرك في الحزب الجمهوري ساكناً، إذ إنه بعدما تحدث عن الإصلاح والعزم على التغيير عاد ليمتطي السياسات العقيمة نفسها سبيلاً لهذا التغيير.
ويقول مؤلف كتاب «طريقة عمل الحزب الآخر»، يوجين روبنسون، إن «أوباما و(نائبه جوزف) بايدن سيركزان من الآن على قضايا الاقتصاد والحرب في العراق وأفغانستان، والطاقة والبيئة، فيما يبدو أن ماكاين وبالين قد قررا القيام بحملة انتخابية قائمة على التاريخ الشخصي لكل منهما».