الزحف «الأطلسي» نحو روسيا بدأ عام 1994 والأوروبيون يخشون حرباً عالمية ثالثة على أراضيهمنيويورك ــ نزار عبود
لمعرفة كيفية وأسباب وقوع الحرب في جورجيا وأوسيتيا الجنوبية لا بد من العودة السريعة إلى ما جرى في البلقان في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. فأوجه الشبه كثيرة. بين 1992 و1995 دارت حرب بربرية شرسة في جمهورية البوسنة، التي كانت جزءاً مما كان يعرف بالاتحاد اليوغوسلافي. وعلقت الصورة العامة في الأذهان بأن منظمة حلف شمال الأطلسي تحركت «بشهامة» لإنقاذ بقية المسلمين في البلقان وحالت دون وقوع محرقة كبيرة بحقهم.
لم يكن العالم الغربي وحده المتحرك في هذا الاتجاه، بل فاعلو خير أيضاً من رؤساء جمعيات إنسانية كبرى، أشهرهم الملياردير اليهودي البريطاني، جورج سوروس، الذي تبرع بخمسين مليون دولار لتأمين بنى أساسية في ساراييفو التي تعرضت لأشنع عمليات التفجير والدمار.
لكن بعض المشككين في روسيا، كما في أوروبا والولايات المتحدة، رأوا أنه من دون تلك الجرائم الهمجية ما كان حلف شمال الأطلسي ليزحف مسيطراً على البلقان ويصل إلى ساحل البحر الأسود في رومانيا بعد بلغاريا كما هي عليه الحال اليوم. وأثاروا الكثير من التساؤلات عن حقيقة مرتكبها.
قذيفة هاون واحدة سقطت في سوق في مدينة ساراييفو البوسنية أودت بحياة 37 وجرحت 90 من مسلمي البوسنة في 28 أب 1995. لم يسبق أن قتلت قذيفة هاون واحدة وجرحت ذلك العدد من الأشخاص. . منذ ذلك الحين، يتحدث الكتّاب الروس والبريطانيون عن «الأشباح» التي افتعلت مجازر أشعلت الحرب في البوسنة ومن بعدها في كوسوفو. ويقولون إن الاستخبارات الروسية كانت على علم مسبق بمجازر كبيرة جرى استخدامها كذرائع للقصف الجوي لطائرات حلف الأطلسي على بلغراد. وإذا كانت قوات السلام الهولندية قد راقبت بهدوء شحن الآلاف من سكان مدينة سربرينيتشا البوسنية ليقتلوا ويدفنوا في مقابر جماعية ولم تأت بأي عمل لمنعها، فإن طائرات الاستطلاع الروسية هي التي نقلت الصور وأبلغت الأمم المتحدة في حينها أن مجازر ترتكب في تلك المنطقة.
أمر يتذكره جيداً شاهد عيان كان مراسلاً لإحدى الصحف الكرواتية. ويقول لـ«الأخبار» إن «الكثير من المفكرين في البوسنة وكرواتيا وصربيا يشعرون بأن الحرب لم تكن محض خلاف عرقي بين المسلمين والصرب، بل كانت عملاً مدبراً».
الاستخبارات الروسية علمت بخطة القصف في وقت مبكر يعود إلى شباط 1995، حينها وُضعت خطة تفصيلية أخرى بين حلف الأطلسي وقوات الأمم المتحدة، يقال إنها سميت «سيكلون ـ 2». الخطة وقعت في مطار بليسو الكرواتي في 10 آب 1995. وشاركت فيها قيادة القوات الدولية في المنطقة قبل إبلاغ مجلس الأمن الدولي بالأمر. وبمقتضاها وافقت القوات الدولية على تزويد «الأطلسي» بالمعلومات التفصيلية للأهداف الصربية التي ستقصف بحكم انتشارها على الأرض. وسلمت الوثيقة السرية لمجلس الأمن الدولي في 13 أيلول 1995 بينما كانت الطائرات الحربية الأميركية تمارس قصفها.
وكتبت الصحف البريطانية في تشرين الأول 1995 أن صرب البوسنة لم يكونوا مسؤولين عن مجزرة سوق ساراييفو. وقالت صحيفة «صنداي تايمز» إن خبراء المتفجرات البريطانيين العاملين في إطار بعثة الأمم المتحدة تحدوا رواية القصف الصربي للسوق.
تلك القذيفة كانت نقطة التحول في الحرب التي بلغت ذروتها عام 1999 مع قصف بلغراد وإطاحة نظام سلوبودان ميلوسيفيتش. ما كان الروس، المنهكين عسكرياً واقتصادياً، ليستطيعوا نصرة صرب البلقان، لكنهم ظلوا يراقبون زحف «الأطلسي»، حتى وصلت الأمور إلى جورجيا.
في تبليسي الحكاية تتشابه مع البوسنة. جورج سوروس، الملياردير البريطاني المحسن، صديق حميم لميخائيل ساكاشفيلي. ويفاخر سوروس بأن «الثورة الوردية» التي أطلقها ساكاشفيلي في جورجيا هي من نتاج عمله بعد مزاولة نشاطه في تبليسي منذ 1994. ومن مهمّاته كانت دفع رواتب للحكومة الجورجية بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، الذي كان يرأسه في حينها اللورد مارك مالوك براون، الذي يشغل منصب الأمين العام لوزارة الخارجية البريطانية حالياً.
برنامج الأمم المتحدة للتنمية دفع 1500 دولار شهرياً لساكاشفيلي إضافة إلى راتبه. كما دفع مبالغ شهرية أخرى تراوح بين 1200 دولار لكل وزير و700 دولار لكل وكيل وزارة في حكومة تبليسي، بداعي «المساعدة في مكافحة الفساد». أمر أثاره أخيراً مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بعد نشر تفاصيل عنه في وسائل إعلام أميركية.
أوروبا لم تتحرك بحماسة في أزمة البلقان، حتى دفعت دفعاً من جانب الولايات المتحدة لذلك. واليوم يلاحظ أن الأوروبيين يراقبون ما يجري في جورجيا وحولها بخوف بالغ من تفجر حرب عالمية ثالثة على أراضيهم.
هكذا تكون اللعبة الدولية قد وصلت إلى نقطة حرجة للغاية بعد رحلة انطلقت من ساراييفو في 1992، تماماً كما تفجّرت الحرب العالمية الأولى من المدينة نفسها في 1914.


مدفيديف يحصّن أبخازيا وأوسيتيا بـ«اتفاقات تعاون»... عسكرية

فتحت روسيا ملف تعميق علاقاتها مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في كل المجالات، ببركة رئيسها ديمتري مدفيديف، في وقت ينتشر فيه مئتا مراقب أوروبي في جورجيا في الأول من تشرين الأول المقبل، رغم رفض أبخازيا.
وقال مدفيديف، في لقاء مع رجال أعمال روس في الكرملين، إنه «سيوقّع هذا الأسبوع اتفاقات تعاون، بما في ذلك على الصعيد العسكري، مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية»، وذلك بالتوازي مع إعلان مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الروسية أن «روسيا تنوي فتح سفارة لها في أبخازيا بحلول العام المقبل».
وأكد مدفيديف «أن أي دولة تقرر فرض عقوبات على روسيا بسبب تدخلها العسكري في جورجيا، سيجعلها تواجه خسائر مماثلة»، قائلاً «نحن نعرف ما هي العقوبات. هي سيف ذو حدين».
اقتصادياً، أكد مدفيديف رغبة موسكو في «الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ضمن شروط مقبولة». كما اعترف بأن «الحرب في القوقاز أدت إلى مشاكل في وضع الأسواق المالية، مستبعداً حدوث كارثة إثر محاولات إغلاق السوق في الخارج أمام روسيا».
في هذا الوقت، أعطت دول الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر رسمياً أمس، لإرسال مئتي مراقب إلى جورجيا بحلول الأول من تشرين الأول المقبل، بحسب دبلوماسيين أوروبيين.
في المقابل، ردّ رئيس إقليم أبخازيا، سيرغي باغابش، بإعلان رفض بلاده «السماح بوجود مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والاتحاد الأوروبي على أراضيها»، موضحاً «يجب أن يكون المراقبون في البلد الذي تصدر عنه الأخطار التي تهدد السلام».
من جهته، قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، بعد لقائه باغابش، إن بلاده تنوي توقيع عدد من الاتفاقيات مع أبخازيا لدعمها، مشيراً إلى أن «القوات الروسية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، سيتغيّر وضعها».
وخلال زيارته إلى جورجيا، وعد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ياب دي هوب شيفر، بأن «الحلف سيعزز علاقاته مع جورجيا»، منتقداً «روسيا على استخدام القوة من دون تمييز خلال تدخلها العسكري في جورجيا»، فيما دعا الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الحلف، إلى «تسريع انضمام بلاده إليه».
ميدانياً، أعلن رئيس دائرة العمليات في أسطول البحر الأسود الروسي، أندري بارانوف، أن «روسيا تستطيع تعويض القاعدة الرئيسية لأسطول البحر الأسود في سيفاستوبول، في حال فقدانها، بقواعد جديدة، وتعزيز الوجود في البحر الأبيض المتوسط».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)

(يو بي آي)