استفاق شعب زيمبابوي على مشهد سياسي ثنائي لم يألفه من قبل. مشهد جمع أعداء الأمس إلى مائدة تقاسم السلطة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، لكن التفاصيل تشير إلى منتصر هو الرئيس روبرت موغابي
مي الصايغ
اتفاق تقاسم السلطة في زيمبابوي كان خلاصة محادثات مضنية أنتجت تسويّة يتنازل بموجبها الرئيس روبرت موغابي عن بعض صلاحياته للمرة الأولى، لا نصفها كما أشيع، على أن يستمر في قيادة الدولة، في مقابل أن يصبح زعيم الحركة من أجل التغيير الديموقراطي، مورغان تسفانجيراي، رئيساً للوزراء ويشرف على تطبيق السياسات العامة.
كما تضمن اتفاق تقاسم السلطة، الذي ضمّ أيضاً آرثر موتامبارا المنشقّ عن حركة التغيير الديموقراطي، توزيع الحقائب الوزارية الـ 31 بين المعارضة، التي حصلت على 16 حقيبة، وحزب الاتحاد الوطني الأفريقي (زانو) الحاكم 15 حقيبة.
ومن المقرّر أن تستمر حكومة التحالف عامين ونصف عام، على أن يصاغ دستور خلال 18 شهراً، يعرض للاستفتاء، تتبعه بعد ثلاثة أشهر انتخابات جديدة. أما في ما خص الأجهزة الأمنية، التي كانت مدار بحث طويل، فمن المرجّح أن يستمر موغابي في قيادة القوات المسلحة، فيما توضع الشرطة وأجهزة الاستخبارات تحت سلطة رئيس الوزراء.
ورغم مسمّى «التقاسم»، إلا أن الكثير من المراقبين يشيرون إلى نصر للرئيس موغابي في الاتفاق، ولا سيما أنه بقي على رأس هرم السلطة، إن في الرئاسة أو الحكومة التي ستكون مهمتها تطبيق السياسات التي يحدّدها، ما قد يفتح الباب أمام عودة الصراعات بين قطبي الحكم حاليّاً. صراعات قد تعود إلى دمويتها السابقة، إذا فشلت «المساكنة» بين موغابي وتسفانجيراي.
وحتى إذا قطع القطبان مرحلة «التعايش» بسلام، مع ما تحمله هذه المرحلة من مطبّات، أبرزها صياغة الدستور الجديد، فإن المراقبين يرون أن الاتفاق الهش قد يمثّل هدنة مرحلية لن تدوم طويلاً، ولا سيما أنه حدّد فترة الحكم المشترك بعامين ونصف عام، وبالتالي فالانتخابات التالية قد تعيد السيناريو الذي شهدته الانتخابات الأخيرة.
أولى محطات العرقلة ظهرت أول من أمس، عندما أرجئت المحادثات الرامية إلى تأليف حكومة وحدة وطنية بسبب «ظروف طارئة». وبحسب مصادر مقربة من المفاوضات، فإن العرقلة أتت من حزب موغابي لوجود خلاف داخل صفوفه على الشخصيات التي ستغادر الحكومة، إفساحاً في المجال أمام تعيين وزراء جدد.
يشار إلى أن اتفاق تقاسم السلطة جاء بعد خسارة الحزب الحاكم سيطرته على البرلمان والحكومة للمرة الأولى منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1980، فيما فاز حزب الحركة من أجل التغيير الديموقراطي بالغالبية بهامش ضيق فقط لا يسمح له بحكم البلاد منفرداً.
خسارة لم يستطع موغابي تقبّلها في البداية، وقرر المضي في جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية من دون مشاركة المعارضة في حزيران الماضي؛ فقاطع تسفانجيراي عملية الاقتراع متهماً الحزب الحاكم بمساندة موجة العنف ضد أنصار الحركة من أجل التغيير الديموقراطي. وحدد تسفانجيراي شروطه بأن ينال نصيب الأسد في حكومة الوحدة، وأصرّ على احترام نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، وأن يكون منصب رئيس الدولة شرفياً، الأمر الذي رفضه موغابي.
وشهدت المحادثات بين طرفي الأزمة حالة من الشدّ والجذب، إذ توقفت مرات عديدة، لتعود وتُستأنف بعد إصدار موغابي الإنذار الأخير الأسبوع الماضي، بأنه سيمضي بمفرده في تعيين وزراء الحكومة، ما لم يوقّع تسفانجيراي اتفاقية اقتسام السلطة. ويبقى التحدي الأساس أن يفلح أعداء الأمس في معالجة الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحتها زيمبابوي، والتي كانت أحد العوامل الرئيسية التي دفعت باتجاه اتفاق «المساكنة».