هناك قلق حقيقي من النيات الحقيقية لحزب العدالة والتنمية في ما يتعلق بمستقبل العلمانيّة. في الأمس، شنّ رجب طيب أردوغان حملة على الفلتان الأخلاقي لوسائل الإعلام، ثمّ «أوصى» بمزيد من الإنجاب، واليوم يشنّ حرباً لمنع الكحول
أرنست خوري
حزب «العدالة والتنمية يعمل، بذكاء وبالتدرج، على فرض الشريعة الإسلامية في تركيا». تهمة حاضرة دوماً على ألسنة معارضي الحزب الإسلامي الحاكم، وتمثّل نقطة مركزية في الصراع على السلطة في هذا البلد.
لا شكّ في أنّ دوافع عقائدية سياسية بحتة لا علاقة لها بدقّة هذه التهمة، تحرّك جزءاً كبيراً من الشارع العلماني في تركيا. لكنّ رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، لا يفوّت فرصة إلا وينتهزها لنفي نياته في أسلمة المجتمع والدولة، حتى وصل به الأمر إلى القول إنّ حزبه «ليس إسلامياً»، وذلك عندما أراد الدفاع عن نفسه إثر انتقاده اللاذع للصحف والمجلات «التي تنشر صوراً خلاعيّة لاأخلاقية على صفحاتها الأولى».
غير أنّ معلومات آتية من أنقرة، تشير إلى أنّ مسؤولين رفيعي المستوى في الحزب الحاكم، يعتمدون سلوكاً «يثير الشكوك» فعلاً بنياتهم الاسلامية. ويبدو أنّ محاربة الكحول، باتت عنواناً مثيراً بالنسبة إلى جمهور الحزب وإلى عدد من قياديّيه في سياق «النهي عن المنكر». هكذا مثلاً، لم يتردّد رئيس بلديّة كيشيورن، إحدى دوائر العاصمة أنقرة، تورغوت ألتينوك، في وضع لافتة عملاقة على مدخل مدينته تستقبل زوّارها بعبارة «الكحول أمّ جميع الرذائل».
ويرى كثر أنّ ألتينوك، القيادي في الحزب الحاكم، ليس سوى نموذج عمّا يحصل في إطار أسلمة تركيا. ولم تعد التحقيقات عن هذا الموضوع حكراً على صفحات الجرائد التركية المتحدثة باسم العلمانيين. فقد نشرت صحيفة «لو موند» الفرنسيّة أمس تحقيقاً ميدانياً رصد عدداً من الممارسات الحاصلة في هذا الحي الشعبي من العاصمة، الذي تحكمه «ميليشيات إسلاميّة» يقول العلمانيون إنهم على شكل «شرطة دينية» يأتمرون من حكّام «العدالة والتنمية».
ويؤكّد القيادي في حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، غالب أكسان، أنّه منذ 2002، تاريخ وصول الحزب الإسلامي إلى الحكم، سجّلت المدينة عدداً كبيراً من حالات الاعتداء على محال بيع الخمر وإقفالها بالقوة، «في ترجمة لسياسات الحكومة بفرض الشريعة الإسلامية».
وأظهرت التحقيقات في عدد من تلك الحوادث، أنّ المعتدين هم موظّفون في البلدية لا تقتصر مهامهم على منع الكحول، بل أيضاً على تسيير دوريات بزيّهم المدني في الحدائق العامّة، لمنع «الجلسات الحميمة بين العشّاق».
ووصلت الأمور في هذا الحيّ الكبير من العاصمة، الذي يقطنه نحو 800 ألف مواطن، إلى حدّ أنّ الكحول باتت ممنوعة نهائياً من الصرف في «مناطق حمراء» كاملة منه، حيث أُقفلت الحانات والعلب الليلية وأصبح المشروب المسموح تقديمه للزبائن، هو الشاي والعصير!
وتشير الصحيفة إلى أنّ «عدوى» إقامة «مناطق حمراء» تصيب عدداً من حكّام محافظات تركيا، المنتمين إلى «العدالة والتنمية»، الذين ينوون تعميم التجربة رويداً رويداً.
وفي السنوات الأخيرة، امتدّ نفوذ تيّار «الأنتي ــ كحول» ليفرض سلطته على حيّ كاديكوي التاريخي في إسطنبول. وهناك، اتّخذ الصراع طابعاً سياسياً أكثر؛ فبعد منع الكحول في مقاهيها، قرر العلمانيون تنظيم اعتصام في وسط المدينة في كل يوم جمعة من كل أسبوع حاملين زجاجات من الخمر.
وفي 5 أيلول الجاري، اعتقلت الشرطة المتحدث باسم المعتصمين. وتفاعل الموضوع حتّى انفجر على لسان أردوغان، وذلك بعد 6 أيام من الحادثة عندما كان يحضر حفل إفطار في حيّ كاديكوي نفسه. وبلحظة غضب نادرة، أطلق صرخة «معبّرة» عندما شتم «من ينظرون إلى الحياة من عنق زجاجة كحول»!