يسير نيكولا ساركوزي على نهج الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران مع اختلاف الحزبين اللذين ينتميان إليهما. فكما عمد الأخير إلى إضعاف اليمن، يُبدع ساركوزي في شق اليسار
باريس ــ بسّام الطيارة
فيما «يزمجر» نواب الأكثرية اليمينية ويتأففون من تراكم الضرائب التي تفرضها حكومة نيكولا ساركوزي اليمينية، فإن اليسار الفرنسي، عوضاً عن الاستفادة من «نافذة الارتباك» لدى اليمين، يتصارع على بقايا جمهور اليسار المتأصل في الشعب الفرنسي.
آخر ضريبة تفتق عليها فريق رئيس الوزراء، فرانسوا فيون، أطلق عليها الإعلام لقب «ضريبة البيك نك»، إذ إنها تحت حجة «حفظ البيئة» تستهدف كل السلع الاستهلاكية البلاسيتيكية والكرتونية التي تستعمل لمرة واحدة، مثل الأكواب والصحون والفوط والعلب والأكياس. وهي من السلع المستعملة بكثرة عند الفرنسيين خلال النزهات أو في الحفلات أو خلال الرحلات. وبذريعة أن هذه السلع تمثّل نسبة كبيرة من مواد النفايات المطلوبة إعادة تدويرها، فقد قدمت الضريبة وكأنها إسهام المستهلك في حفظ البيئة.
ومن المفارقات أن اليسار صفق لهذه الضريبة، بينما تفرق اليمين بين مؤيد بتحفظ، ولكن بصمت، ومعارض بقوة، ولكن بصمت أيضاً. وتأتي هذه الضريبة بين جملة من الخطوات الحكومية التي تهدف إلى «شق اليسار وزيادة تفتيته» من دون الالتفات إلى ما يمكن أن تتركه من آثار في «البيت اليميني»، الذي يرى أن كل المبادرات تصب في طروحات اليسار قبل الانتخابات، وهو ما يراه المراقبون «طبيعياً في ظل لجوء ساركوزي لشلة من المستشارين الاشتراكيين»، ومعظمهم من فريق منافسته سيغولين رويال وذلك تحت حجة «القطيعة».
ولكن «القطيعة» ليست محصورة فقط في مسار ساكن الإليزيه، بل بدأت تشق طريقها إلى وسط اليسار بكامل مكوناته فترمي بعضها جانباً بعيداً عن حظوة الشعبية وتلمع صورة بعضها الآخر بقوة الاستطلاعات وزخم التأييد الجماهيري.
بعد أيام على «احتفال لومانيتيه»، وهو الحفل السنوي الذي يقيمه الحزب الشيوعي منذ مدة طويلة باسم الصحيفة الناطقة باسمه، بدأت بعض «أسرار ما دار خلف الكواليس» تخرج إلى العلن لتشير إلى «انفراط توازن القوى» في اليسار عموماً وتراجع تأثير الشيوعيين في عقر دارهم.
ورغم أن «موجة الحديث عن العلمانية» في ظل زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر كان يمكن أن تمثّل منطلقاً لفورة يسارية للدفاع عما يراه قسم كبير من الفرنسيين «خطاً أحمر»، إلا أن اليسار كان مشغولاً بحرتقات بين مختلف تياراته.
وإذا كان «همّ الاشتراكيين قصف رفيقتهم رويال» وإبعادها عن تزعم الحزب، فإن همّ اليسار الراديكالي، ممثلاً بالحزب الشيوعي، كان أولاً وأخيراً «قصف أوليفية بوزانسونو» وإبعاده عن تزعم «يسار اليسار»، وخصوصاً منذ أن كشف طموحاته بتأسيس حزب جديد اسمه «تجمّع المناهضين للرأسمالية» ليحل محل «الرابطة الشيوعية الثورية».
وبالطبع، فإن هدف «ساعي البريد» (وهي مهنة بوزانسونو) هو الحزب الشيوعي في خطوة أولى، وقد فهمت ماري جورج بوفييه الخطر الداهم عليها وعلى حزبها العتيد، وعوض «امتصاص خطره» ارتكبت خطأً قد يكون مميتاً وهو عدم دعوته إلى أي من جلسات الحوار التي تقام خلال الاحتفال السنوي. في المقابل، دعت «وزيرة الثقافة في أكثر حكومة يمينية عرفتها فرنسا منذ نهاية الحرب»، كريستين ألبانيل، كما يقول شيوعي قديم، مشيراً إلى أنه في هذا الوقت كان بوزانسونو «مع القاعدة يوقع كتابه الجديد ويحاور المناضلين». ويضيف: «يجب ألّا نتعجب إذا ما رأينا محازبين شيوعيين ينتقلون إلى الحزب الجديد».
ويعيب سكرتير الحزب الاشتراكي، فرانسوا هولاند، على اليسار الراديكالي «عدم طموحه لتسلم السلطة». ويضيف: «علينا الاستعداد للمناوبة في السلطة». ويوافقه في ذلك «حزب الخضر»، الذي تقول إحدى ممثلاته إن «برنامج الخضر قريب جداً من برامج اليسار الراديكالي» ولكنها تستطرد بأن الخضر على عكس الشيوعيين الثوريين «مستعدون للمشاركة في السلطة والغوص في العمل».
وبحسب عدد من المقربين من إدارة الحزب الجديد، فإن بزانسونو يرفض الرد على هذه التهجمات ويقول: «إن هدفنا هو فقط اليمين، ولن أوجه أي صفعة لأي طرف من أطراف اليسار».
تشبه لعبة ساركوزي اليميني مع اليسار لعبة ميتران الاشتراكي مع اليمين المتطرف في مطلع عهده، فكل طروحاته كانت تذهب في اتجاه إعطاء حجج لتقوية اليمين المتطرف، وبالتالي تضعف اليمين الوسطي، القوة الوحيدة التي يمكنها أن تنافسه على السلطة في أي انتخابات. وهكذا حكم ١٤ سنة فيما اليمين يمزق نفسه. الأمر نفسه يتكرر اليوم مع ساركوزي؛ كل خطواته وسياسته تزيد من قوة اليسار الراديكالي، بينما الحزب الاشتراكي يتفسخ تيارات وتيارات.