شهدت مدينة كولونيا الألمانيّة أمس، مشهداً عبثياً جمع بين يهود ناجين من محارق أدولف هتلر، إلى جانب النازيّين أنفسهم، في تظاهرات ضدّ تشييد مسجد للمسلمين
برلين ــ غسان أبو حمد
رفعت الشرطة الألمانية درجة الاستنفار في كولونيا إلى الحدود القصوى، وأقامت حواجز التفتيش عند مداخل المدينة ومحطات النقل العام، في محاولة منها لمنع الأحزاب والجمعيات الأوروبية المتطرفة (النازية الجديدة) من عقد مؤتمرها المعادي للإسلام اليوم وغداً، تتويجاً لسلسلة من النشاطات التي تصبّ في خانة رفض تشييد مسجد كبير للمسلمين.
وعلى الرغم من تشديد الإجراءات الأمنية، فقد شهد وسط المدينة عدداً من الاشتباكات المتفرقة بين المتطرفين اليمينيين، والمسلمين من أصول تركيّة، اندلعت شرارتها ظهر أمس، عندما أقدم متطرفون ينتمون لتنظيم «برو ــ كولونيا» النازي، على ملاحقة مواطن تركي ورشقه بالحجارة ثم طرحه أرضاً وركله بالأقدام إلى أن وصلت دورية الشرطة وأنقذته.
وتسبّبت عمليات التراشق المتبادل بالحجارة بين المؤيدين والمعادين لقرار تشييد المسجد في كولونيا، بوقوع العديد من الجرحى، وخاصة بين رجال الشرطة الذين حاولوا الفصل بين الطرفين.
وأشارت تقارير الشرطة إلى أنّ الأسلحة البيضاء التي ضُبطَت بحوذة اليمينيين المتطرّفين، نُقلت بحافلات من فرنسا وبلجيكا وسويسرا والنمسا. أما الدعم السياسي الذي حرّك هؤلاء، فجاء من رئيس حزب الجبهة الوطنيّة الفرنسية جان ــ ماري لوبان الذي أعلن في ساعة متأخرة عدم مشاركته في التظاهرة.
وانطلق المتظاهرون من مناسبة معارضة بناء المسجد للتوسّع في طرح شعارات وخطاب سياسي قائم على معاداة الأجانب عموماً، والمسلمين منهم خصوصاً، بحجّة أنّ المساجد «أوكار للإرهاب».
واستنكرت جميع الكتل النيابية التي يتكوّن منها برلمان محافظة «شمال الراين ــ وستفاليا»، عقد المؤتمر اليميني المتطرف، كما شجبت النقابات العمالية والرياضية بدورها حملة معاداة الأجانب وأيدت قرار المجلس البلدي الموافقة على تشييد مسجد للمسلمين.
أما أبرز ما لفت في تظاهرة الأمس، فكان مشاركة أفراد من جمعيات يهودية، بينهم أدباء يحملون إلى اليوم آثار عذابات معسكرات النازية على أجسادهم، إلى جانب «النازيين الأوروبيين الجدد» في حملة العداء ضدّ المسلمين.
ومن أبرز هؤلاء، الكاتب اليهودي رالف جيوردانو (84 عاماً)، الذي وصل به الأمر إلى حد القول إن «المشكلة الأساسية ليست مع المسلمين بل تحديداً مع الديانة الإسلامية»، إضافة إلى توجيهه أبشع النعوت ضد الكتابات الدينية الإسلامية ووصفها بأنها «أدب الرعب والإرهاب».
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس البلدي لمدينة كولونيا سبق أن وافق، في مطلع شهر رمضان، على منح المسلمين رخصة بناء مسجد في كولونيا، بعدما تعهد «الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية» تأمين تكلفة البناء والالتزام بخفض ارتفاع المآذن تماشياً مع الأشكال الهندسية ونماذج البناء المعتمدة داخل المدينة.
وبرّر عمدة كولونيا نوربرت شراما (عن الحزب المسيحي الديموقراطي) موافقة المجلس البلدي على تدشين المسجد بالقول «إنه يساعد على الحوار بين الديانات، كما يساعد على تأمين الاندماج داخل المجتمع الألماني».
ونال هذا القرار ترحيباً من «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا»، الذي رأى في بيان له، أنّ المسجد «هو لجميع المواطنين الألمان ويمثّل مكاناً لتحقيق الاندماج الاجتماعي والمحبة والسلام». كذلك رحّب كاردينال الطائفة المسيحية في مدينة كولونيا، يواخيم مايسنر، بتشييد المسجد داعياً المؤمنين المسيحيين إلى التبرّع بالمال من أجل تشييده.
وكان لافتاً دخول حركة جديدة إلى واجهة المتحركين ضدّ المسلمين، تضمّ في صفوفها شخصيات تركية وإيرانية وعربية معارضة للأنظمة السياسية في دولها، وشخصيات أوروبية معروفة على صعيد تاريخها السياسي العنصري، فوجّهت سهامها إلى الديانة الإسلامية بطريقة «حديثة ولافتة للنظر» من خلال حملها تحت تسمية «المسلمون السابقون». وأوضح هؤلاء أنهم كانوا ينتمون إلى الديانة الإسلامية، ثم خرجوا عليها «بعد اكتشافهم أنها تشجّع على الرجم والقتل والتمييز بين الجنسين وجرائم الشرف، وتحرم المواطن حق التعبير عن رأيه وحرية المعتقد الديني والسياسي».
وتؤكد بعض الدراسات عن «النازية الجديدة»، أن حركة «المسلمون الخوارج»، تملك مصادر مالية مجهولة، وهي تنشر من وقت لآخر دراسات وكتباً تصبّ في إطار شتم المسلمين وتوصيفهم بالديانة «التوتاليتارية» كما جاء في أبرز كتبهم «الإمبريالية... باسم الله».