أعادت العمل بمفاعل «يونغبيون» و«لم تعد راغبة» بإزالة اسمها عن «اللائحة السوداء» معمر عطوي
أصبحت الولايات المتحدة، ومن ورائها بعض القوى المعنية بمناقشة الأزمة النووية لكوريا الشمالية، محل ارتياب في نظر بيونغ يانغ، بعد مماطلتها في تنفيذ تعهداتها التي قطعتها لـ«الدولة الحديدية» بإعطائها حوافز دبلوماسية ومساعدات اقتصادية، وإزالة اسمها عن «اللائحة السوداء» للدول الراعية للإرهاب، في مقابل تخلّيها عن الأنشطة النووية الحساسّة.
لهذا قررت كوريا الشمالية أمس إعادة تشغيل المفاعل النووي في يونغبيون (شمالي العاصمة)، الذي باشرت تفكيكه الشهر الماضي، بموجب اتفاق دولي، فيما بلغت نقمتها على الولايات المتحدة درجة إعلان عدم رغبتها في شطب اسمها من اللائحة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب.
وبدت لهجة المتحدث الكوري حادةً تجاه واشنطن بقوله «الآن وقد ظهرت النيّات الأميركية الحقيقية علناً، فإن كوريا الشمالية لم تعد ترغب في سحب اسمها من لائحة الدول الداعمة للإرهاب. ولم تعد تتوقّع أن يحصل ذلك».
في الواقع، أبدت واشنطن مماطلة مكشوفة في تنفيذ تعهّداتها تجاه اتفاق عام 2007، بين الدول الخمس (الصين وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان)، التي تتفاوض منذ عام 2003 مع بيونغ يانغ، بشأن تفكيك برامجها النووية.
مماطلة ظهرت في خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش أول آب الماضي في سيول، حين رأى أنه «من المبكر جداً» إزالة هذه الدولة من «محور الشر»، معتبراً أن عليها «بذل الكثير من الجهود» إذا أرادت أن تُشطب سريعاً عن اللائحة الأميركية «السوداء»، ومتذرّعاً بأن «انتهاكات حقوق الإنسان في الدولة الستالينية لا تزال قائمة. ولا تزال هناك خطوات إضافية يجب اتخاذها بالنسبة إلى برنامج البلوتونيوم».
وبدا هذا الموقف الأميركي بمثابة تحذير مبطّن للدولة الشيوعية، التي أعلنت في 26 آب الماضي أن العمل على تفكيك المفاعل، الذي كان ينتج مادة البلوتونيوم المستخدمة في صنع قنابل نووية، قد توقّف، وأنه سيصار إلى إعادة تشغيله إذا ظلت واشنطن تتردد في تنفيذ تعهداتها.
الجانب الآخر ألقى الكرة في الملعب الشمالي، إذ أعلن أحد المفاوضين الكوريين الجنوبيين الأسبوع الماضي أن كوريا الشمالية اقترحت عقد لقاء مع المسؤولين في سيول في آب الماضي للبحث في مساعدات الطاقة، غير أن بيونغ يانغ ألغت بشكل مفاجئ الاجتماع، مدّعيةً أن سبب هذا الإلغاء يعود الى ما أثير في الأسابيع الأخيرة عن «نكسة» الزعيم الشيوعي الصحيّة.
في نظر الكوريين الجنوبيين، فإن الشائعات عن تدهور صحة كيم، قد تؤثّر كثيراً في مسيرة تفكيك البرنامج النووي لبلاده. إذ إن الحرس القديم يخشى من إفلات الأمور من بين أيديه في حال وفاة «أب الشعب»، وخصوصاً أن الحرس المتمثّل بالجيش تضاعفت ريبته في الفترة الأخيرة تجاه التعهدات الأميركية.
وبالعودة إلى الوراء، يمكن تقدير سبب موافقة «النظام الحديدي» على وقف أنشطته النووية بالمعلومات الاستخباريّة التي سرت في كوريا الشمالية، عن إمكان رفع اسم البلد آلياً عن «اللائحة السوداء»، بعد تقديمها لائحة البرامج النووية إلى الصين (جرى في 26 حزيران الماضي).
والمفارقة أن سياسة المدّ والجزر بين بيونغ يانغ، التي أجرت تجربة نووية ناجحة في خريف عام 2006، وبين واشنطن التي شكّكت في نجاح هذه التجربة، ليست حديثة العهد؛ لقد بدأت أول محادثات جوهرية بين البلدين، في عام 1993، وانتهت بتوقيع الإطار المتفق عليه، الذي جرى بموجبه إغلاق ثلاثة مفاعلات.
وخلال ذلك، عقدت اجتماعات عديدة رباعية (الولايات المتحدة والكوريتان والصين) بين عامي 1997 و1999، لمناقشة مطلب كوريا الشمالية باستبدال هدنة الحرب الكورية (1950 ـــ 1953) بمعاهدة سلام، إلا أن المحادثات انهارت في نهاية المطاف. وتطورت الأزمة مع قيام بيونغ يانغ في كانون الأول 2002 بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أزمة بدأت تأخذ منحىً دراميّاً أكثر عام 2003، حين أعلنت كوريا انسحابها من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وأعادت تشغيل أحد المفاعلات.
بيد أن هذا الوضع تغيّر في آب من العام نفسه، حين بدأت الاجتماعات السداسية، بوساطة روسية ورعاية صينية، لتتوصل إلى اتفاق عام 2007، يقضي بتزويد كوريا الشمالية بمليون طن من الوقود وحوافز أخرى، في مقابل وقفها لأنشطتها النووية الحساسّة، التي أصبحت بمثابة «فزّاعة» لدول الجوار.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل للموقف الكوري دوافع تتعلق بمرض الزعيم، أم أن التحوّلات التي شهدها العالم، ولا سيما بعد أزمة القوقاز، قد أعادت خلط الأوراق لمصلحة المعسكر «اليساري»، فباتت المراهنة على تحسين الشروط منوطة بتغيّر سيد البيت الأبيض؟.