باريس ــ بسّام الطيارةتحت عنوان «فرنسا العمال الفقراء»، صدر كتاب جديد للخبير الاقتصادي دوني لوكليرك، المقرر السابق لـ«لمجلس الأعلى للعمل والمداخيل واللحمة الاجتماعية»، يشرح مستنداً إلى أرقام، ظلّ التعاطي فيها سرياً، كيف «لم يعد العمل هو دواء الفقر»، ويندد بالوظائف المؤقتة غير المضمونة وغياب فرص العمل الحقيقية التي تساهم بإفقار العمال.
الجديد في الكتاب هو أنه لا يعالج «مسألة الفقراء» أي العاطلين من العمل الذين لم تعد تعويضات الضمان الاجتماعي تسدّ احتياجاتهم اليومية، بل إنه يتطرق إلى «فقراء العمل» أي الذين لا يزالون داخل الدورة الاقتصادية ولكن من دون أن يكفي مردود عملهم لسد حاجاتهم.
ويشير لوكليرك في هذا المجال إلى «مسؤولية الدولة»، ويتهمها بخلخلة أنظمة العمل تحت حجة «محاربة البطالة» وتشجيع الشركات الكبرى على استخدام العمال لفترات قصيرة حسب حاجاتها الصناعية. ويدرك الجميع في فرنسا أنّ تراجع مداخيل شرائح كبيرة من العمال سببه ظروف وشروط العمل الجديدة التي باتت تسمح بها قافلة من القوانين، تذهب كلها باتجاه «تسهيل حياة شركات الخدمات والتكتلات الصناعية الكبرى» والسماح لها بتحقيق أرباح عبر تقليص الكثافة العمالية وتكييفها بحسب الجدوى الصناعية. ففي السابق، كان رب العمل يحتفظ بعماله حتى في ظروف الركود وتراجع الأسواق، ما كان ينعكس تراجعاً في ربحية المؤسسات. وكان تعويض هذا التراجع يأتي عند عودة النمو، بينما كان التوازن بين ربحية مواسم الكساد والنمو، يكفل استمرارية المؤسسات بكامل جهازها العمالي المتكافل في ظل لحمة، يتفق الجميع على أنها كانت «قاعدة زيادة الإنتاجية والازدهار» في عالم أرباب العمل.
أمّا ما يحدث اليوم فهو «التخلص من العمال حالما تهب عاصفة الركود» واللجوء إلى عمالة مؤقتة بأجور الحد الأدنى. ويحدث هذا كله في ظل قوانين تسمح لأرباب العمل بهذا الاستعمال الانتقائي للعمال من دون النظر إلى النتائج المترتبة على المجتمع من جراء هذا اللهاث وراء الربحية على المدى المنظور، وخصوصاً أن عدداً متزايداً من المصانع الكبرى والمؤسسات، باتت مملوكاً من «صناديق استثمار تسعى إلى الربح السريع إرضاءً للمساهمين فيها».
ويشير لوكليرك إلى أنّ الدولة تملك «سلاح الردع الشامل» إذا ما رغبت بالحدّ من هذا التوجه الذي يساهم بإفقار الطبقة العاملة، وهو «زيادة الرسوم الاجتماعية على هذا النوع من التوظيف».
يُذكَر أنه في فرنسا، يُعدّ فقيراً، كل من لا يتجاوز مدخوله الشهري ٨٨٠ يورو للفرد و١٣٢٠ يورو للزوجين، و١٥٨٠ يورو لزوجين مع طفل. وبحسب هذا التعريف، فإن مليوني عائلة فرنسية تقبع حالياً تحت خط الفقر، بينهم ٥٥ في المئة رجال و٤٥ في المئة نساء.
وفي سياق الحديث المتزايد عن الفقر في فرنسا، ذكرت صحيفة «لوبارزيان» قصة امرأة فرنسية (٥٠ عاماً) عملت ٢٠ سنة «موظفة مؤقتة» في منظمة الأمم المتحدة، كان يجدد عقدها سنوياً إلى أن توقف التجديد منذ سنوات، ما دفعها إلى سوق العمل المؤقت، حيث تعمل بمعدل 3 أشهر في السنة، مع مدخول يعتمد على المساعدات الاجتماعية التي لا تتجاوز الـ٥٠٠ يورو شهرياً رغم حيازتها سنوات خبرة في مجال عملها.
وتقول المرأة إن الشركات ترفض تثبيتها في وظيفتها، تجنباً لدفع رسوم الضمان والإجازات المدفوعة. كما توضح أنها لا تعرف «بأي خانة يجب أن تصنف»، فهي وإن كانت فقيرة ومضطرة لإعالة ولدين، لكنها في المقابل تحمل شهادات عالية وخبرة ولم تعد تستطيع أن تتحمل نظرات «المساعِدات الاجتماعية» عندما تضطر لطرق باب الجمعيات لتأمين قوت أولادها.
قصة تبرهن على أن مسألة الفقر والتهميش، لم تعد تطال فقط العمال، بل أيضاً حاملي الشهادات العليا.