وضع كبير مستشاري رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في السياسة الخارجيّة، أحمد داوود أوغلو، الملقّب بـ«كيسنجر تركيا»، الخطوط العريضة المسيّرة لدبلوماسية أنقرة بشأن الأزمات المحيطة ببلاده.بدءاً بسوريا وإيران وصولاً إلى روسيا، رأى أوغلو استحالة مشاركة بلاده في أيّ خطّة لعزل أي من هذه الدولة، جازماً في الوقت نفسه بأنّ التفاؤل الأميركي حيال الملف العراقي هو في غير مكانه المناسب، بما أنّ العراق بات «لبنان جديداً» في الشرق الأوسط.
كلام أوغلو جاء خلال سلسلة محاضرات ألقاها أمام المشاركين في برنامج «مشروع التقرير الدولي» في جامعة جون هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن. وقد نُشر حديثه في مقابلة على موقع www.worldbulletin.net.
وفي ما يخص الموقف الذي وُضعَت فيه تركيا إثر أزمة البلقان الأخيرة بين روسيا والغرب الأطلسي، جزم أوغلو بأنّ أنقرة «حسمت خيارها في أن تكون جزءاً من المعسكر الغربي، لكونها عضواً رئيسياً في حلف شمال الأطلسي ومرشّحة للعضويّة الأوروبية». غير أنّه أوضح أنّه خلال الأزمات، فإنّ تركيا قررت أنّ موقفها من روسيا مختلف تماماً عن موقف بقية الدول الغربية، «وخصوصاً أنّ تركيا ترفض ولا تقدر في آن واحد على عزل روسيا».
وظهرت واقعيّة أوغلو في تبريره لرفض فرض أي عزلة على الدب الروسي، عندما أوضح أنّ هذا موقف «مبدئي نابع من مصالحنا الاقتصاديّة». وفيما رأى أوغلو أنّ بلاده يجب أن تعترف بـ«الحقيقة المؤسفة»، أنها تعتمد بنسبة 75 إلى 80 في المئة على النفط والغاز الآتيين من روسيا، أشار إلى أنّ أنقرة «غير مستعدّة لدفع فاتورة أخطاء استراتيجية ترتكبها موسكو أو تبليسي».
ووضع أوغلو موقف بلاده المحايد من أزمة القوقاز في سياقها المتصل ببقية الدول التي تملك حدوداً مشتركة مع تركيا، التي ترفض إثارة مشاكل مع أي منها. من هنا يمكن فهم مقاومة حكام أنقرة أمس واليوم «للضغوط القديمة التي تعرضنا لها بهدف عزل سوريا، واليوم عزل إيران».
وبكلام بسيط، اختصر أوغلو المعادلة كالتالي: «إذا قبلنا عزل سوريا وإيران وفي الأمس العراق، فهذا يعني أننا نقفل حدودنا، وبالاستناد إلى أنّ لا علاقات تجمعنا مع أرمينيا، لا يعود لدينا حدود مفتوحة سوى مع جورجيا!».
وفي شأن الملف العراقي، أشار أوغلو إلى أنّه لا يشعر بالتفاؤل الذي يراود القيادة الأميركية، متوقّعاً حصول الأسوأ الذي سيقع تحت 4 عناوين تختصر الأزمة العراقيّة: العقدة القومية التي تجسّدها كركوك، وأزمة قانون النفط وتقاسم الثروات النفطيّة، ومشكلة «الدستور الذي وضعه خبراء غير عراقيين وأهدوه إلى سكّان هذا البلد كقنبلة موقوتة»، وأخيراً مصيبة الجيش العراقي.
كذلك كشف الدبلوماسي التركي، المعروف بأنه صاحب الفضل في المصالحة التاريخية بين الأتراك والعراقيين، والأكراد منهم خصوصاً، عن وساطة قامت بها حكومته عام 2005، انتهت باتفاق عُقد في إسطنبول مع السفير الأميركي حينذاك في بغداد، زلماي خليل زاد، ينصّ على تعيين طارق الهاشمي نائباً للرئيس، ممثلاً للسنة العرب.
وردّاً على سؤال عن مصير الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين، وصف أوغلو الوضع بأنه أحجية عصية على أيّ حلّ؛ فمن جهة «أي انسحاب سيترك البلد أمام كارثة حقيقية في ظلّ غياب جيش مركزي وسيادة البشمركة والصحوات والميليشيات الشيعية»، ومن ناحية أخرى، فإنّ بقاء الأميركيين «سيكون كابوساً على كل من الأميركيين والعراقيين».
وفي كلام يوحي بأنه تحميل مبطّن للأميركيين بمسؤولية خراب العراق، رأى أوغلو أنّ العالم لم يتعلّم من تجربة تقسيم يوغوسلافيا، «لا بل فعل أخطر من ذلك، وهو أنهم جعلوا من العراق لبنان آخر في الشرق الأوسط». وذكّر بأنّ لبنان عانى 20 عاماً من الحرب الأهلية بسبب مشكلة الطائفيّة، «والآن أصبح العراق لبنان ثانياً لأنّه يُبنى على أساس التعريفات الطائفيّة والقوميّة».
أما عن أزمة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان المحسوبين على الأتراك، فقد رأى أوغلو أنّ كل شيء تقرّر لهذه المحافظة كان كارثياً، ولا هدف له سوى تأجيل الانفجار الكبير بما أنها تجسّد «عراقاً مصغّراً في تنوّعها القومي والديني وفي اختزانها الثروات النفطية الهائلة».
وعن رؤيته لمستقبل أزمة العراق، لفت إلى أنّه لا حلّ يمكن أن ينجح إلا باعتماد المبادئ الأربعة لسياسة بلاده الشرق أوسطيّة: الأمن للجميع، والحوار السياسي كأداة وحيدة لحل الخلافات، والاعتماد المتبادل في المصالح الاقتصادية والتعايش الثقافي والقومي.
أما الخطوات التنفيذية لأي حلّ، فهو يبدأ، بحسب تقدير أوغلو، في التزام الدول الإقليمية باستقرار العراق، بالتزامن مع التزام الأطراف العراقيّة بمستقبل سياسي مستقرّ.
(الأخبار)