مي الصايغلم تمضِ أكثر من سنتين على إجراء الانتخابات التشريعية في بلاد الألب، حتى عاد النمساويون للاحتكام إلى صناديق الاقتراع، بعدما ضاقوا ذرعاً بائتلاف اليسار واليمين الذي حكم البلاد لمدة 18 شهراً، ليمثّل انهياره جسر عبور لعودة تيار اليمين المتطرف إلى الساحة السياسية.
اختار النمساويون أمس أعضاء برلمانهم الاتحادي من بين 7 أحزاب رئيسية يتقدمها الحزب الاشتراكي الديموقراطي (يسار ـ الوسط) وحزب الشعب المحافظ (يمين ـ الوسط). وذكر التقويم الأول لمؤسسة «أرجي» للإحصاءات أنه يمكن أن يفوز الاشتراكيون بنسبة 29 في المئة من الأصوات، ما يمثّل تراجعاً من ست نقاط مقارنةً بنتيجة 2006. ولن يحصل المحافظون إلا على 24 في المئة من الأصوات، أي بتراجع 10 نقاط.
وكان تقارب الأصوات بين الحزبين، قد دفع الحزب الاشتراكي إلى الهرولة لاستمالة الناخبين، فبدا عشية الاستحقاق الانتخابي بمظهر «بابا نويل»، إذ أقرّ الخميس رزمة قوانين وصفتها وسائل الإعلام بهدايا عيد الميلاد، ولا سيما أنها تعنى بخفض تكاليف المعيشة. لكن حصول كل من الحزبين على أقل من 30 في المئة من الأصوات، سيكون سابقة في تاريخ الحزبين. خسارة جاءت لتصبّ في مصلحة اليمين المتطرف، إذ رجّحت استطلاعات الرأي أن حزب «الحرية»، برئاسة هاينز كريستيان ستراتش، سيحصل على 19 في المئة، أي بزيادة 9 في المئة عن الانتخابات السابقة، ليصبح ثالث قوة سياسية على الخريطة الانتخابية.
فبعدما كان وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في النمسا بمثابة صفعة للاتحاد الأوروبي في التسعينات، ها هو حزب «الحرية» يبني أمجاده عبر مناجاة الرموز النازية من خلال تأدية محازبيه تحية هتلرية لزعيمه، وعبر بلورة مناخ معاد للمهاجرين المسلمين، ولتكون أبرز شعاراته: «فيينا لن تصبح إسطنبول».
غير أن اللافت في هذه الانتخابات أيضاً هو تهافت الأحزاب اليسارية واليمينية على كسب قلوب الناخبين الشباب وعقولهم، الذين منحوا حق التصويت بدءاً من سن الـ 16. وقد لجأ الحزب الاشتراكي إلى توزيع أوراق يانصيب تخوّل الفائز الحصول على بطاقات لحضور حفل موسيقي لمادونا في الـ23 من الشهر الجاري.
وفي ظل عدم قدرة أي من الحزبين الرئيسيين على الحصول على غالبية تتيح له الحكم بسلاسة، وسط قانون انتخابي يعتمد نظام التمثيل النسبي، فإن نتائج الانتخابات ستجلب معها برلماناً ممزقاً وائتلافاً هشاً.
وبانتظار نتائج فرز الأصوات، يبقى هناك سيناريوهان لا ثالث لهما: إما أن تشهد البلاد عودة إلى التحالف السابق بين الاشتراكيين والمحافظين، أو أن الحزب الاشتراكي سيتجه نحو اليمين المتمثّل في حزبي الحرية وحزب «التحالف من أجل مستقبل النمسا» ليكونا بمثابة جناحيه في الحكم.