باتت الحملة الرئاسية الأميركية كأنّها عرض مسرحي. يظهر البطل، الأضواء تلاحقه والجماهير تصرخ. هذا ما يحاول الجمهوريون تصويره لمحاربة ظاهرة «أوبامانيا»
شهيرة سلّوم
لم يعد باراك أوباما مرشحاً رئاسياً ديموقراطياً للانتخابات الأميركية، بل أصبح نجماً هوليودياً، تهواه الأضواء وتتبع أخبار عائلته بكل تفاصيلها الضيقة: «أناس عاديون، مثلنا»، هو وزوجته ميشال وابنتاه، ماليا وساشا، اللتان تعاقبان إن أساءتا التصرف، وتكافآن في حال العكس.
باراك يضع الغسيل وميشال تنشره. يرتدون ثياباً عادية. ميشال ابتاعت ثوباً بـ180 دولاراً من متجر صغير، فاصطفت الجماهير بالطوابير أمامه كي تبتاع «الثوب نفسه». مجلة «بيبول» وضعت أخيراً صورة لأوباما بثوب السباحة، كنجم مشهور يستعرض «مواهبه». بهذا المعنى كتبت المعلّقة المحافظة في مجلة «ناشيونال ريفيو»، ميشال مالكين، ساخرة من المرشح الرئاسي «الهوليودي»، وقارنته ببراد بيت وزوجته أنجيلينا جولي. رأت أنّ الشهرة تُعبّئ «غباء» الجماهير لإيصاله إلى البيت الأبيض، وقالت «حاولوا أن تتحدثوا مع معجبيه عن علاقته بعرّابه القس جيرماي رايت، أو استراتيجيته المتخبطة للعراق، أو بساطته المتهورة في التعامل مع إيران، وستفهمون ماذا أعني». وختمت «إنه اندفاع نحو حكم غباء، من جانب الغباء ولأجل الغباء الذي يسوقنا».
تعليق مالكين أتى بالتزامن مع الشريط الذي أصدرته حملة المرشح الجمهوري جون ماكاين، وصوّرت فيه أوباما على أنّه أحد أكثر المشاهير في العالم إلى جانب بريتني سبيرز وباريس هيلتون. وقال المتحدث باسم حملة ماكاين، ريك دايفيس، «وحدهم المشاهير يرتادون النادي ثلاث مرات في اليوم، ويطلبون لوح شوكولا متريكس الغني بالبندق والبروتين... ويجذبون أكثر من 200 ألف معجب إلى ساحة قوس النصر في برلين. هؤلاء ليسوا مؤيّدين أو ناخبين، إنهم ببساطة معجبون».
إذاً سيسلّم الأميركي مفاتيح البيت الأبيض إلى «نجم» كي يدير له شؤونه الدنيوية في الخارج والداخل، ويدرّبه كي يدير العالم بحكم أن دولته هي المتسلّطة الأقوى فيه.
ردّ أوباما على تهمة «النجومية» بالقول: «نَفدت منهم الأفكار. الاستراتيجية اليتيمة التي بقيت في حوزتهم هي إخافتكم مني»، «سيرسلون لكم بريداً إلكترونياً مقرفاً، الأخير يقول إنهم أمسكوني وقد أضفت باريس هيلتون إلى عناوين بريدي الإلكتروني، وأنا لم ألتق المرأة في حياتي».
الحملة التي شُنّت على أوباما وحاولت تصويره بأنّه يعيش في عالم الشهرة، وبالتالي غير مؤهّل لإدارة البلاد، أتت بعد الجولة الخارجية التي قام بها أخيراً ولاقى خلالها استقبالاً حافلاً، وعومل كنجم بالفعل.
لا يمكن نفي أن أوباما يتمتع بسحر وكاريزما وبلاغة خطابية ورؤية. صفات تساعده للولوج في عالم النجوم، وهذا تثبته يومياً تجربته الانتخابية. والفئات التي يستقطبها (الشابة والمثقفة والطبقة الوسطى)، تتأثر عادة بصفات النجم. ولكن ليس هذا هو السبب الذي دفع رؤساء العالم إلى استقباله كأنه الرئيس المنتظر، بل نهج التغيير الذي يحمله في الداخل والخارج. هذا ما يشير إليه كاتب «نيويورك تايمز» فرانك ريش.
في الواقع، ما مكّنه من قطع نصف الطريق والتغلّب على منافسته الديموقراطية هيلاري كيلنتون، كان اعتماده على استراتيجية بديلة للعراق، مستغلاً أنّ منافسته سبق أن صوّتت لمصلحة الحرب في البداية.
وفي جولته الخارجية (ما عدا الشرق الأوسط، المرتبط بخصوصيته «الفوقية الإسرائيلية» كنهج ثابت مرتبط بالأمن الأميركي) استقبله الأوروبيون رغبة في التغيير، بعدما أصبح جورج بوش الأقل شعبية في تاريخ الرؤساء الأميركيين، في الداخل كما في الخارج. وجون ماكاين، مهما حاول فك ارتباطه ببوش، يمثّل نهجاً مكملاً، وهو ما أثمر تفوّقاً لأوباما في استطلاعات الرأي.