برز اسم ألخندرو حامد فرانكو فجأة على الساحة السياسية في أميركا اللاتينية. هذا المهاجر من أصول سوريّة، احتل منصب وزير الخارجية في الباراغواي، لكن على وقع احتجاجات أميركية، لأنه موضوع على «اللائحة السوداء» المخصصة للإرهابيين
بول الأشقر
ثبّت رئيس الباراغواي المنتخب، المطران السابق فرناندو لوغو، الأسبوع الماضي، السفير في لبنان، ألخندرو حامد فرانكو، وزيراً للخارجية في حكومته الأولى. وقال، معلّقاً على الضغوط الأميركية التي تلقّاها للعدول عن التعيين، «انتُخبتُ أيضاً لعدم السماح بالتدخل في شؤوننا الداخلية».
كان الوزير الجديد قد أخضع لحملة إعلامية شعواء تقدمتها «آي بي سي»، أكبر جريدة في أسونسيون، اتهمته بأنه «معادٍ للسامية» ولليهود ولدولة إسرائيل و«مؤيّد للإرهاب» العربي و«مهدّد» لعلاقات الباراغواي مع الولايات المتحدة، فضلاً عن أنه «غير مؤهل» لشغل هذا المركز. وتقول أوساط قريبة من لوغو إن الأخير منح الولايات المتحدة أسبوعاً لتدعيم حججها بالبراهين أو الوثائق، «لكننا لم نتلقّ أي شيء إلا تصريحاً من السفير الأميركي يؤكد عدم تدخلها في شؤون الباراغواي الداخلية».
بدأت حيثيات القضية في العاشر من تموز، مع استقالة الباحثة السياسية اليسارية، ميلدا ريفارولا، المعروفة براديكاليتها، من منصبها وزيرةً للخارجية، إثر تعيين لوغو لرجل معتدل على رأس «إيتايبو»، الشركة العامة المشتركة على الحدود بين البرازيل والباراغواي، المنتجة الطاقة الكهربائية، التي ستمثّل إعادة التفاوض على سعر الطاقة التي تدفعها البرازيل للباراغواي أكبر وأعقد موضوع ستواجهه الإدارة الجديدة في سياستها الخارجية.
ورأت ريفارولا، وهي من حصة «الحركة نحو الاشتراكية»، في اسم رئيس «إيتايبو»، وهو من حصة الحزب الليبرالي، تخلياً عن «استراتيجية المواجهة» في هذه القضية التي مثّلت رافعة الحملة الانتخابية للمطران لوغو لمصلحة «استراتيجية تفاوضية» مع البرازيل.
مع استقالة ريفارولا، اقترحت قيادة «الحركة نحو الاشتراكية» اسم حامد فرانكو، الذي لا ينتمي إلى صفوفها، وكان يشغل منصب سفير الباراغواي في لبنان، فاستدعاه لوغو الذي لم يكن يعرفه. وبعد ثلاثة اجتماعات معه، اختاره لهذه المهمة.
وفرانكو (65 سنة)، هو ابن حسن حامد، مهاجر سوري وصل إلى الباراغواي في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي. بدأ حسن حامد حياته الأميركية بائعاً متنقلاً. ولد حامد فرانكو في مدينة سيوداد ديل إستي، أي «مدينة الشرق»، ثاني مدينة في الباراغواي بعد العاصمة أسونسيون وأكبر مركز تجمع للمشرقيين العرب. المدينة قريبة من الحدود المثلثة مع البرازيل والأرجنتين، التي ترى فيها الولايات المتحدة «منطقة مخروقة يستعملها الإرهاب الإسلامي العربي المتطرف قاعدةً خلفية ومصدر تمويل».
تخرج ألخندرو حامد فرانكو دكتوراً في التاريخ من جامعة أسونسيون، حيث شغل مركز عميد الكلية، وهو متخصص في منطقة الشرق الأوسط. وتعلم اللغة العربية في القاهرة. وله ثلاثة مؤلفات بالإسبانية: «نحو إسلام مغاير» و«الانتفاضة الفلسطينية وتراثها الشعري» و«العرب وسلالتهم في الباراغواي، سيرة تاريخية طويلة». كُلف عام 2005 فتح السفارة في لبنان، لتمثيل الباراغواي أيضاً في سوريا والكويت وقطر.
وقفزت قضية حامد فرانكو إلى الواجهة عندما سربت الولايات المتحدة أن الرجل على اللائحة الأميركية السوداء. والتهمة هي أنه أعطى نحو مئة فيزا للبنانيين عام 2006 من دون العودة إلى الخارجية، أي من دون إذن الإنتربول والبوليس في الباراغواي. ويخضع حامد فرانكو إلى تحقيق داخلي سينتهي حتماً بتبرئته بعد أيام. ويدافع عن نفسه بالقول إنه «حصل على موافقة شفهية من الخارجية لضرورة تسفير بعض أهالي مواطنين باراغوايين في ظروف استثنائية» خلال حرب تموز. إلا أن صحيفة «آي بي سي» نشرت تقريراً داخلياً من وزارة الخارجية يشير إلى أن 33 حالة غير شرعية أعطيت في شهر أيار وحزيران، أي قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وفي أول مؤتمر صحافي عقده بعد تثبيته في وزارة الخارجية، وهو المؤيد للقضية الفلسطينية والمندد بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، استرسل حامد فرانكو في الأجوبة عن الصراع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، ونفى أن يكون معادياً للسامية. قال: «هذا التوصيف لا ينطبق عليّ». وعندما سئل إذا كان يؤيد «شطب إسرائيل من الخريطة»، أجاب بأنه يعمل الآن في الوزارة لـ«تطوير العلاقة معها ولفتح سفارة في تل أبيب». واستشهد بخطاب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الكنيست الإسرائيلي ليقول إنه «ليس مؤيداً للفلسطينيين ومعادياً لأحد بل مؤيد للعدالة للشعب الفلسطيني».
واكتفى الرجل اللطيف المعشر بإشارات غامضة عن المواضيع الساخنة التي تعني السياسة الخارجية في الباراغواي، وفي مقدمتها قضية إيتايبو وسياسة الباراغواي إزاء مركوسور، لافتاً إلى أنه «غير مطّلع كفاية على الملفات»، وأنه في هذا المركز لـ«تنفيذ» السياسة الخارجية التي سيحددها الرئيس لوغو.


الفاتيكان يعيد لوغو إلى «المدنية»

سلم القاصد الرسولي في الباراغواي الرئيس المنتخب، المطران السابق فرناندو لوغو، أول من أمس، وثيقة فاتيكانية تعفيه من واجباته المطرانية وتعيده إلى الحالة المدنية، قبل أقل من أسبوعين على تسلمه مقاليد الحكم.
وتمثّل الرسالة الفاتيكانية خاتمة مأزق لاهوتي ـــــ سياسي، إذ كان فرناندو لوغو مطران أفقر ولاية في الباراغواي، وكان قد طلب من البابا بندكتوس السادس عشر «إعادته إلى الحالة المدنية» في 18 كانون الأول 2006. ثم استقال من منصبه بعد أسبوع، لأن دستور الباراغواي يحرّم على رجال الدين تبوّء مراكز انتخابية.
لكن طلب لوغو رُفض بداية من الفاتيكان، الذي حاول إقناع المطران السابق بالتخلّي عن طموحاته الانتخابية المتعارضة مع قسمه الديني، قبل أن يجمّد طلبه في كانون الثاني 2007 لأنه يرى في المركز الديني توكيلاً إلهياً لا مجرد وظيفة، ولا يعترف بالتالي بإمكان الاستقالة.
وبعدما حسم فوز لوغو المعضلة السياسية، يطبع الآن قرار البابا الواقع على المستوى الديني، إذ يعيد لوغو «إلى الحياة المدنية ويعفيه من واجبات قسمه الديني بما فيها واجب العزوبة ويحثه على متابعة حياته بما يتطابق مع تعاليم الإنجيل».
ورحب الرئيس لوغو، أحد مراجع لاهوت التحرير في الباراغواي، بالقرار البابوي. وعبّر عن شكره العميق لقرار البابا الذي «انتظرناه طويلاً، وبالتأكيد لم يكن سهلاً عليه، لأنه لا سوابق من هذا النوع» قبل أن يضيف: «كم هو كبير حبّ البابا للباراغواي، وقد برر قراره بالبحث عما هو أحسن لخير» هذا البلد.