التضخّم وازدياد نسبة الفقر يهدّدان مشاريعه الاقتصاديةباريس ــ بسّام الطيارة
لا يمكن القول إن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، «لا يتعلّم من كيسه»؛ فهو يقضي عطلة متواضعة هذه السنة في منزل زوجته كارلا بروني قرب المقر الصيفي للرئاسة في جنوب فرنسا. إذ كان يرى كثيرون أن السقوط المريع لشعبيته في جميع الاستطلاعات في السنة الأولى من حكمه كان بسبب «شخصيته وطريقة تصرفه ووضع حياته الشخصية في واجهة الإعلام الرئاسي»، وخصوصاً عندما «افتتح عهده بزيادة راتبه».
وكافأت الاستطلاعات الأخيرة ساركوزي على ابتعاده عن الأضواء؛ فهو «ربح ٤ في المئة في ميزان الشعبية». إلا أن «تواضع عطلة» ساركوزي يجب ألّا يغطي واقع أرقام تراجع مستوى المعيشة وحالة الإفقار التي تشير إليها كل الدراسات بشكل لم تشهده فرنسا منذ عقود طويلة.
ونشرت صحيفة «لومانيتيه»، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي، دراسة أجرتها لحسابها شركة «إيفوب»، تشير إلى أن «42 في المئة من الفرنسيين لن يأخذوا عطلة هذه السنة»، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. وتدل الأرقام المرفقة على أن «العمال والموظفين الصغار» يمثّلون النسبة الغالبة من هؤلاء المحرومين، إذ إن ما بين ٤١ و٤٧ في المئة من هذه الفئات لن يتمكنوا من الاستفادة من عطلة الـ«خمسة أسابيع التي يتيحها القانون الفرنسي»، فيما المعدلات العامة كانت في السابق تتمحور حول ٢٠ في المئة.
ومن بين الأسباب المقدمة، تراجع القوة الشرائية في مقابل زيادة أسعار الطاقة، وخصوصاً الوقود للسيارات الضرورية في «العُطَل الشعبية»، إذ إن معظم الطبقات الشعبية لا تغادر الأراضي الفرنسية وتستعمل سياراتها للانتقال إلى المنتجعات، إضافة إلى زيادة أسعار المواد الغذائية. وتنعكس هذه الحالة على مجمل مرافق الاقتصاد المترابطة بالسياحة الداخلية مثل الفنادق والمطاعم والمخيمات، إضافة إلى المتاحف وحدائق اللهو المخصصة، رغم أن عدد السياح من أوروبا الشرقية في ارتفاع متزايد، إلا أنه لا يعوض غياب «الزبون الفرنسي الذي يوفّر طوال السنة لمصروف عطلته». وكما يقول أكثر من مستطلع، فإن «التوفير غير متوافر».
وكانت دراسات عديدة لمؤسسة الإحصاء الرسمية قد نبهت قبل بدء «قاطرة الإصلاحات الهيكلية»، التي بدأها الرئيس الفرنسي، من أن «الوضع الاقتصادي لشرائح واسعة من الفرنسيين ركيك» ولا يتحمل صدمات قوية مثل التي «وعد بها ساركوزي». وأشارت إلى أن نحو 7.9 ملايين فرنسي يعدّون فقراء أي نحو 13.2 في المئة من الشعب. ولا تتجاوز مداخيلهم ٨٨٠ يورو شهرياً، فيما معدل «المدخول الشهري المعتمد لمستوى مقبول» هو بحدود ١٤٧٠ يورو. رغم ذلك، أقر البرلمان بصورة نهائية مشروع القانون بشأن «الديموقراطية الاجتماعية»، الذي يرمي إلى طي صفحة تحديد ساعات العمل بـ ٣٥ ساعة، التي يرى الفرنسيون أنه «كسب اجتماعي»، فيما يصفها ساركوزي بأنها «كارثة شاملة على الاقتصاد الفرنسي».
وصوتت الأكثرية على القانون، فيما انتقد اليسار المتشرذم «التراجع الاجتماعي» ويستعد لرفع المسألة إلى المجلس الدستوري. وترى الأكثرية أن القانون يوفر للموظفين إمكان العمل ساعات إضافية ليكسبوا مزيداً من المال. ومن ضمن «حزمة» القوانين التي أقرت، قانون ينص على شطب اسم كل عاطل عن العمل عن لوائح تعويضات العطالة إذا رفض «عرضَي عمل يقدمان إليه في شروط معقولة».
ومن المعلوم أن سياسة ساركوزي أدت إلى هذا الوضع الاقتصادي المتردي، رغم أنه يجب الاعتراف بأن «حظه كان تعيساً» إذ إن بدء تطبيق إصلاحاته ترافق مع ارتفاع حاد في أسعار النفط وركود عالمي في حركة النمو، إضافة إلى أزمة القروض الأميركية التي لم تنتهِ فصولاً.
وتسجل حالياً في فرنسا أرقام تدخل كلها في إطار الإشارات الحمراء المنذرة بعواقب كارثية إذا لم يجرِ تدارك الأمور بسرعة: تسارعت وتيرة التضخم لترتفع إلى 3.7 في المئة، وهي الأعلى منذ بدء تدوين المؤشرات الموحدة للاتحاد الأوروبي عام ١٩٩٧.
ورغم تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، فإن ارتفاع أرقام التضخم يمثل مشكلة سياسية للرئيس الفرنسي الذي بنى وعوده الانتخابية على قاعدة «زيادة القدرة الشرائية» لمواطنيه. من هنا، فإن نهاية العطلة قد تكون مؤشراً إلى عودة «تراجع شعبية الرئيس»، عندما يتوجه مواطنوه لشراء اللوازم المدرسية، وخصوصاً أنه ربح ٤ نقاط يتيمة في آخر استطلاع ترافق مع تراجعه في لائحة أكثر خمسين شخصية فرنسية محبوبة، إذ انتقل ساركوزي من الدرجة الـ٣٦ إلى الدرجة الـ ٤٤ بعيداً عن زين الدين زيدان الذي يحتل المرتبة الثانية. لكنه مع ذلك لا يزال متقدماً على منافسته على الرئاسة سيغولين رويال التي تأتي في المرتبة الـ ٤٩، بينما زوجته كارلا بروني تسجل دخولها للمرة الأولى في التصنيف، وإن كانت في المرتبة الأخيرة.