لا يمكن فصل التقارب الهندي ـــ الأفغاني عن الصراع التاريخي بين نيودلهي وإسلام آباد، وهو ما بدأ يُترجم على أرض الواقع عبر رسائل أمنية متبادلة، صندوق بريدها الساحة الأفغانية
مي الصايغ
تبدو صورة الهند اليوم في أفغانستان، كرمز لإعادة الإعمار في بلد مزقته حروب أهلية وإقليمية. صورة تكوّنت على أنقاض نظام «طالبان» وانتقال الحكم إلى الرئيس حميد قرضاي، الذي يحل ضيفاً على مائدة قادة نيودلهي لينال حظوتهم ولتقوية حضوره في وجه جارته الشمالية باكستان.
دور عمدت نيودلهي إلى استعادته بعدما فقدت موطئ قدمها لمصلحة إسلام آباد، لكونها قاطعت نظام «طالبان» بحجة دعمه للكشميريين، فجاء ردها عبر دعم التحالف الشمالي بقيادة برهان الدين رباني، كجزء من مواجهتها مع باكستان.
وغداة سقوط نظام «طالبان» في عام 2001، نجح قرضاي في إعادة وصل ما انقطع في العلاقات مع الهند، ما أثمر تقارباً بين نيودلهي وكابول، امتد ليطال تدريب قوات الأمن الأفغانية والمساعدة في إعادة إعمار أفغانستان.
ومن الممكن استشفاف الدور الهندي في أفغانستان من خلال ثلاثة ميادين، أبرزها يتمثل في عملية إعادة البناء والتنمية الاقتصادية، ليبقى تهميش النفوذ الباكستاني في أفغانستان الشغل الشاغل لحكومة نيودلهي، بموازاة بناء الروابط مع دول وسط آسيا، ذات الموارد الغنية بالطاقة وسوقها الاستهلاكية، الأمر الذي يمثّل أهمية جيو ـــــ استراتيجية بالنسبة إلى الهند. ومن هنا يمكن فهم أهمية موقع أفغانستان بالنسبة إلى الهند التي تراها جسر عبور إلى دول آسيا الوسطى.
ومع التفجير الذي طال السفارة الهندية في كابول الشهر الماضي، تحولت الأراضي الأفغانية إلى ساحة لتوجيه الرسائل بين الهند وباكستان. وهو ما ذهب إليه مراسل صحيفة «جيانز دفانس» راوول بيدي، عندما أشار إلى استمرارية تنافس الهند وباكستان على النفوذ في أفغانستان.
كما رأى المحلل السياسي الأفغاني، نصير حكيمي، أن لباكستان مصلحة في ألا تكون الهند صديقة قوية لأفغانستان، لذا تقوم سراً بدعم «طالبان» بوصفها رصيداً استراتيجياً يمكّن القوات الباكستانية من التركيز على الدفاع عن حدودها مع الهند، التي
تتهمها إسلام آباد بإنشاء شبكة تجسس لدعم الانفصاليين البلوش في جنوب غرب باكستان.
وفي خضم هذا الاحتقان الذي باتت الساحة الافغانية متنفساً له، يخشى الكثيرون أن تعود لعبة الحرب بالوكالة بين الهند وباكستان، ولا سيما أن إسلام آباد باتت تتخوف من تنامي الدور الهندي في حديقتها الأفغانية.