باريس ــ بسّام الطيارةاقترح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بصفته رئيساً للاتحاد الأوروبي، أمس خطة من ثلاث نقاط لإنهاء القتال في جورجيا، جوهرها عودة القوى المتصارعة إلى مواقعها العسكريّة التي كانت عليها قبل اندلاع الحرب. وبدأ أمس وزير خارجيته، برنار كوشنير، جولة في منطقة النزاع تحضيراً للقاء نظرائه الأوروبيين يوم الأربعاء المقبل في اجتماع طارئ لتقويم الموقف وبحث سبل إنهاء الصراع.
وهذه «الأزمة الدولية» الحربية، هي الأولى التي يواجهها الرئيس الفرنسي منذ وصوله إلى الإليزيه. ويتفق معظم المراقبين على دقة موقع ساركوزي في الأزمة، إذ إنّه إضافة إلى دوره رئيساً دورياً للاتحاد ومسؤولاً عن المحافظة على مصالح دوله، فإنه بسبب مواقف بلاده المتناقضة من الحلف الأطلسي، فإن العيون ستكون مفتوحة على كل تصريح وخطوة تصدر عن باريس في هذه الحرب، التي يؤدي فيها الحلف الأطلسي والانتماء إليه، العامل الأساسي لانطلاقتها.
ويبدو أنّ الحلف غير راغب في التدخل المباشر في النزاع، وقد صرح مسؤول رفيع المستوى فيه بأن «الحلف غير مفوَّض لأداء دور مباشر في القوقاز» رغم إعراب أمينه العام ياب دي هوب شيفر عن «قلقه الكبير»، مندّداً «بالاستخدام غير المتكافئ للقوة» ومجدّداً دعوته إلى «وقف فوري» لإطلاق النار.
ولعلّ المأزق الأوروبي ــ الفرنسي يقع بين هذا القلق، ومبدأ عدم التدخل. ومردّ القلق ليس فقط كون الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل كبير على الغاز والنفط الروسيين، لكن أيضاً بسبب معرفته بأن هذا النزاع هو «اختبار قوة بين موسكو وواشنطن» كما صرّح مصدر فرنسي مسؤول متابع لهذا الملف لـ«الأخبار».
ورغم أن الأوروبيين معنيون بالعديد من المواضيع الخلافية بين العملاقين، ومنها الدرع الصاروخية الأميركية، إلّا أنهم، رغم إلحاح الأميركيين، تصدّوا في مطلع العام الجاري لانضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف، وهو ما «حال دون تمدّده إلى الحدود الروسية» في القوقاز.
وتشديداً على هذا الموقف، يستذكر المصدر الفرنسي تصريح كوشنير في منتصف نيسان الماضي الذي جاء فيه ما حرفيّته: «إننا نرى أن من العبث الإسراع في استفزاز روسيا»، مضيفاً أن «روسيا تتغير، ومن الضروري أن يأخذ الاتحاد الأوروبي هذا بالاعتبار».
وأثبتت الأيام أنّ تصدي الاتحاد الأوروبي لانضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف يجنب هذا الأخير «مسألة الاحتكاك المباشر بالجيش الروسي». غير أن بعض المحللين يشيرون إلى أن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي «لم يكن ليركب رأسه ويقود بلاده في هذا التوجه الانتحاري لو كان عضواً في الحلف».
وفي السياق، يتفق معظم المراقبين على أنّ التصرف الجورجي كان مجازفة فتحت باب «الرد الروسي الذي كان ينتظر فرصة». بالإضافة إلى ذلك، فإنّ «شبح المصالح المتشابكة» يهيمن على خلفية كل التصريحات، رغم عدم التطرق لها مباشرة؛ فالروس يريدون «تلقين الجورجيين درساً»، ولكنّهم يوجهون أيضاً رسالة قوية إلى الغرب. وهنا يلفت المصدر الفرنسي إلى أن «ردة الفعل الروسية العنيفة أثبتت أنهم يعتزمون الدفاع عن مصالحهم في هذه المنطقة».
إنّ تشابك المصالح مع «الكبرياء الوطنية الروسية القوية والحادة» في مناطق القوقاز، يدفع كثيرين إلى التأكيد أنّ أفق نهاية الصراع لن تظهر قريباً، وأنّ اندلاع الحرب سيستجلب «كل المواضيع على الطاولة»، بدءاً من الطاقة ومسالكها، وصولاً إلى سياسات التحالفات المقبلة.
يمكن القول إنّ «الغرب قد فتح علبة عفريت إعادة تقسيمات البلدان المتوارثة من اتفاق يالطا» عندما قبل بتفكيك يوغوسلافيا وإعادة تركيبها كما يحلو له. واليوم يبدو أنّ موسكو تطبّق السياسة نفسها لإعادة تركيب «محيطها المباشر» كما يناسب مصالحها.