ميدانيات الحروب تفرض نتائجها السياسية. روسيا تطبّق القاعدة وترفع سقف شروطها لوقف اجتياحها ولاستغلال «الخطأ الجورجي التاريخي»، وتلتقي مع أوروبا في محاولة الاستفادة من الضعف الأميركي
باريس ــ بسّام الطيارة
المساعي الأوروبية لتهدئة جبهة جورجيا المشتعلة تتسارع. ولهذا الهدف، يتوجّه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليوم إلى موسكو، بانتظار الاجتماع الاستثنائي الذي سيعقده وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غداً الأربعاء.
ويدلّ تحرك باريس على الرغبة باستدراك «هفوة» الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي قبل أن ينزلق القوقاز نحو «بلقنة» يخشاها الأوروبيون. ويفسر هذا الأمر قول برنار كوشنير إنّ سكاشفيلي «وافق تقريباً على جميع مقترحات» الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لوقف النزاع. ولكن كما يقول أكثر من مراقب في باريس، «المطلوب موافقة موسكو وليس موافقة الخاسر».
وتقوم اقتراحات الرئاسة الفرنسية على خطة من ثلاث نقاط: ــ احترام وحدة أراضي جورجيا. ــ وقف فوري للأعمال العسكرية. ــ العودة إلى الوضع الميداني السابق. لكنها بنود «لم تعد تلائم الوضع على الأرض» كما يؤكد أكثر من خبير، إذ تشير المعلومات الفرنسية إلى أن موسكو كانت على علم مسبق بتحضيرات تبليسي لاسترجاع أوسيتيا الجنوبية بالقوة، ورغم ذلك، لم تحرك ساكناً كما أنها تجنبت الرد على عدد من الاستفزازات التي صدرت في مطلع شهر تموز الماضي. تريّث روسي دفع بالسلطات الجورجية لارتكاب «الخطأ المميت»، على حد قول أحد المقربين من هذا الملف.
كذلك، فإنّ الدوائر الغربية تتوقّع أن «تحاول موسكو تسجيل نقاط عديدة» في محيطها القوقازي قبل أن توافق على «إرخاء قبضتها العسكرية» والكف عن الأعمال الحربية. سيناريو يمكن أن يعقّد مهمة ساركوزي الواجب عليه التوفيق بين نظرة مختلف أعضاء الاتحاد الأوروبي الذي يرأسه إزاء «الدب الروسي».
ففي موقع التشدّد، تقف ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا إلى جانب بولونيا التي تتخوف من «عودة الطموحات السوفياتية برداء روسي». بينما ترى ألمانيا ودول أخرى أنه «من العبث عدم الاعتراف بأن جورجيا كانت البادئة» وأنه من الأفضل «أخذ مصالح روسيا بالاعتبار لإبعاد شبح الحرب عن أوروبا».
ويمكن الجزم بأن جوهر موقف كوشنير، يصبّ في اتجاه عدم «محاصرة روسيا في زاوية الاتهامات» وإبقاء الباب مفتوحاً لحلّ يرضيها وإن كان على حساب الجمهورية القوقازية الصغيرة.
ولكن حسبما يقول مثل فرنسي مشهور، فإن «الشهية تأتي مع بدء الطعام». وبحسب أحد الخبراء، باتت مطالب موسكو تتجاوز أهدافها التي حدّدتها في بداية «الحملة التأديبية». حتى إنّها، بحسب أكثر من مصدر، ستضع أمام المفاوض الأوروبي مجموعة شروط تبدأ بانسحاب كامل للقوات الجورجية ليس فقط من أوسيتيا الجنوبية، بل من أبخازيا وأجاريا. والأخيرة منطقة استقلالية أيضاً تقع جنوبي غربي جورجيا. شروط يُضاف إليها «تعهد بعدم اللجوء إلى السلاح لحل مسألة الأقليات»، وهو ما يعني إبقاء الوجود الروسي في المقاطعات الثلاث، إلى جانب فرض «ممرّ آمن بين أبخازيا وأجاريا» وبالتالي السيطرة على منفذ جورجيا على البحر الأسود.
ومن المتوقع أن تشترط روسيا ضمانات إضافية بخصوص عدم انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف الأطلسي وهو أمر يمكن أن توافق عليه القوى الأوروبية الكبرى بشكل عام.
وبالطبع، فإن المصالح الاقتصادية لن تكون غائبة عن المفاوضات وخصوصاً في ما يتعلق بخط «نبوكو» لتوريد الغاز المقرّر إنشاؤه بين عاصمة أذربيجان باكو وأنقرة لتجنب البقاء تحت تهديد قطع الغاز الروسي عن أوروبا.
سيكون مهماً بالنسبة للرئيس الفرنسي تسجيل نصر بالتوصل إلى وقف للنار، إذ إنه يسعى للاستفادة من ضعف الإدارة الأميركية لتسجيل بعض النقاط لمصلحة أوروبا وهو واقع حال روسيا أيضاً. وحدها تبليسي لم تعِ بعد ضعف «حليفها الأميركي».