نيويورك ــ نزار عبودترى إسرائيل في حرب جورجيا وأوسيتيا فوائد في كل الأحوال، سواء خرجت تبيليسي فائزة أو منيت بهزيمة. السبب لا يعود إلى كون وزير دفاع جورجيا، دافيد كيزيراشفيلي، إسرائيلياً ولديه مئات المستشارين من كبار الجنرالات الإسرائيليين الذين تنحّوا بعد تقرير فينوغراد، بل لأن إسرائيل موجودة في ساحة عمليات في حرب اختبارية للأسلحة الروسية التي تستخدمها «جيوش معادية»، مثل سوريا وإيران.
وخلال العمليات العسكرية المعقّدة، تستطيع الأجهزة الإسرائيلية، التي تضم معدات تشويش إلكترونية وطائرات تجسس من دون طيار ونظم تحليل المعلومات، دراسة الكثير عن طرق سير عمليات التكنولوجيا الحربية الروسية. اختبارات ربما لم تكن متاحة لإسرائيل إلا إذا خاضت حرباً مباشرة مع الجيش السوري أو الجيش الإيراني بتكلفة باهظة للغاية.
جورجيا أقامت علاقات وطيدة مع إسرائيل منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، واشترت منها أسلحة وأجهزة حربية بمئات الملايين من الدولارات، ولا سيما في مجال الدفاع الجوي. وتقول صحيفة «هآرتس» إن الصفقات بلغت في السنوات الأخيرة نحو 500 مليون دولار، علماً بأن جورجيا تعاني ضائقة مالية كبيرة.
ويشير المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، إلى أن جورجيا تأتي في المرتبة الأولى بين أسرع الدول تسلّحاً في العالم، وكانت تعدّ نفسها للهجوم منذ أعوام. وقال «تضاعف إنفاقها العسكري ثلاثين مرة خلال أعوام قليلة». واتهم أوكرانيا بالاستمرار في تزويدها بشتى أنواع الأسلحة. وعندما سألته «الأخبار» عن دور إسرائيل في تسليحها، أجاب، «هذا أمر بات معروفاً».
روسيا اشتكت مرات عديدة من تسليح إسرائيل لجورجيا. ووعدت الدولة العبرية بأن توقف الشحنات، وسرّبت معلومات لإعلامها بأنها توقفت. لكنّ حقيقة الأمر أن مئات الخبراء الإسرائيليين لا يزالون يعملون في جورجيا مستخدمين تقنيات إسرائيلية، حتى أثناء الحرب الطاحنة التي تعرّض حياتهم للخطر.
من تجار السلاح الذين يتعاطون بيع المعدات العسكرية والتدريب في جورجيا، اللواء احتياط غال هيرش، الذي أقيل من الجيش الإسرائيلي في أعقاب إخفاقات حرب تموز 2006 على لبنان، وأنشأ شركة «ديفنس شيلد» ويقوم بتدريب قوات سلاح المشاة الجورجي بمساعدة اللواء احتياط، إسرائيل زيو، صاحب شركة «غلوبال سست». وهناك أيضاً شركة «نيرطال»، التي يملكها نير شاؤول، ذات الخبرة في تدريب جنود قوات المشاة.
الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي لا يقلّ ارتباطاً بإسرائيل عن وزير دفاعه. ففي آذار الماضي، كرّس معظم زيارته إلى الولايات المتحدة ليجتمع بزعماء المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية الذين كانوا يستعدون لزيارة جورجيا. وقال لهم «نحب أميركا، نحب إسرائيل. وإن الحرب في العراق تمثل خط الدفاع الأول في الحرب على الإرهاب. ولن نسمح لإيران بأن تنفذ مآربها».
يضيف في حديث آخر أجراه في الولايات المتحدة في آذار الماضي، «ما يلحق بإسرائيل من أذى يلحق بجورجيا». وأقسم من كل قلبه أن «المكان الوحيد الذي أشعر فيه بأنني في وطني هو إسرائيل».
ساكاشفيلي استبق لقاءه مؤتمر المنظمات اليهودية باعتقال إيراني في إحدى ضواحي تبيليسي واتهمه بأنه تاجر «أجهزة نووية». أما إيران، التي هبّت إلى مساعدة جورجيا عندما قطعت روسيا شحنات الغاز عنها لخلاف على التسعير، وعرضت بيعها الغاز بأسعار أدنى، فقد ووجهت بصد من تبيليسي عندما طلبت الإفراج عن مواطنها.
وهكذا كان الجورجيون، الذين يقتاتون من رسوم صادرات روسيا من الغاز والنفط عبر أراضيهم، قد حرصوا في عهد ساكاشفيلي على تصعيد العداء لأكبر جارتين في المنطقة، روسيا وإيران. لكن الحرب السريعة في جورجيا كشفت كيف أن الأصدقاء لم يتحركوا لنجدة حلفائهم، رغم أن جورجيا مثّلت معبراً استراتيجياً للنفط والغاز من حقول بحر قزوين إلى الغرب. وتخطط إسرائيل لمد خط أنابيب منها عبر ميناء جيهان التركي إلى إيلات للاستفادة من طاقة بحر قزوين وتصدير الباقي إلى أسواق آسيا.