باريس ـ بسّام الطيارةلا يمكن التنبؤ بمصير الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في رحلته بين العاصمتين الروسية والجورجية، لكن لم يعد ممكناً إنكار «حيوية الدبلوماسية الساركوزية» وسرعة مبادراته التي بدأت تشير بخط عريض إلى أسلوب فريد يتوافق مع شخصيته.
فقد كفى إعلان روسيا وجورجيا الموافقة على خطة السلام، التي وضعها ساركوزي على طاولة التفاوض متسلحاً بدعم دول الاتحاد الأوروبي، حتى رأى كثيرون أنه نجح في إظهار «عقم التصلب ومحاولة كسر الخصوم» السائدة في واشنطن، تماماً كما فعل في الملف اللبناني. ويختصر دبلوماسي أوروبي «محايد» هذه الدينامية الدبلوماسية بالقول: «نجح ساركوزي حيث فشلت واشنطن»، قبل أن يستطرد قائلاً «إنها القطيعة الحقيقية».
وباتت الخطوط العريضة لنص الاتفاق معروفة وأبرز ما تنص عليه هو انسحاب القسم الأكبر من القوات الروسية والجورجية. إلا أنه كما يشير أكثر من دبلوماسي، فإن الدخول في تلابيب الاتفاق يدل على أنه ما هو إلا «تقديم مطالب موسكو المتصلبة بغلاف ألسني يحفظ ماء وجه ما بقي من سلطة جورجيا»، وأفضل دلالة على ذلك ما أتى عليه الرئيس الفرنسي والرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، خلال المؤتمر الصحافي المشترك، حيث شدد ساركوزي على أن هناك «نصاً وقد تمت الموافقة عليه في موسكو وكذلك هنا في جورجيا»، مضيفاً أنه سيكون قاعدة لعمل على مستوى مجلس الأمن والأمم المتحدة كـ«وثيقة قانونية» بعد أن «يحصل على دعم أوروبا وضمانتها».
ومن المفارقة أن «انتصار موسكو» يبرز في كلام ساكاشفيلي، الذي رغم تأكيده أنه «لا شك في وحدة وسيادة أراضي جورجيا»، قدّم استبعاد أي بحث في مستقبل انتماء المقاطعتين (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا) «وكأنه انتصار خاص له»، وبدا كأنه لم يسمع تعليق الرئيس الفرنسي الذي عقّب على أنه بانتظار «آلية دولية» فإن قوات «السلام الروسية» «ستنفذ إجراءات أمنية إضافية كما كانت قبل الأزمة»، مشدداً على أن هذه الإجراءات لا تتعلق بكل الأراضي الجورجية بل فقط بـ«التخوم المباشرة لأوسيتيا الجنوبية». ويوضح دبلوماسي متابع للملف أن «القوات الروسية لن تتحرك من المناطق التي احتلتها»، بينما تعهدت القوات الجورجية بالعودة إلى «قواعدها» لا إلى مواقعها كما يردّد الجورجيون.
ودعمت موسكو بقوة «الطروحات التي حملها رئيس الاتحاد الأوروبي» وكأنها تنازلات منها. ويرى كثيرون أن الزعيم الفرنسي «رجح في مفاوضاته صوت الأغلبية الأوروبية»، الممثلة خصوصاً بفرنسا وألمانيا وإيطاليا، والتي ترفض بقوة توجهات «الدول الأوروبية الجديدة»، وفي مقدمتها بولونيا ودول البلطيق، التي تطالب بمواجهة «الشراسة الروسية»، وهي تبدو منذ حرب العراق الثانية «ممثلاً للتيار الأميركي» في الاتحاد الأوروبي.
ويتفق عدد من المراقبين على أن ساركوزي إن استطاع أداء دور، فهو لم يكن متسلحاً برئاسة الاتحاد و«شجاعته» فقط، بل بصداقته مع المحافظين الجدد وخصوصاً الرئيس جورج بوش وانفتاحه على الولايات المتحدة منذ وصوله إلى الإليزيه ورفعه شعار القطيعة مع سياسة جاك شيراك السابقة، وهو السبب الذي من أجله لم تستطع واشنطن انتقاد تصرف باريس وإن كانت بياناتها تندد بشكل غير مباشر بـ«انتصار موسكو وخضوع أوروبا».