يبحث وأردوغان اليوم أنابيب الغاز والأزمة النوويّةيقترب الحزب الحاكم في تركيا من إيران، لجهة القيم الدينية المشتركة. لكن لكل منهما تكتيكه الخاص في التعاطي مع الإسلام كنظام سياسي

معمر عطوي
تحمل زيارة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، إلى تركيا إشارات عديدة، تتعدّى العلاقات الثنائية وروابط الجيرة، الى أدوار سياسية مرتقبة يمكن أن تنتج ممّا يحاك في أنقرة من وساطات لتقريب وجهات النظر بين طهران والغرب حول أزمة الملف النووي للجمهورية الاسلامية.
البعد الأيديولوجي واضح في زيارة الرئيس الإيراني المحافظ، الذي يتميّز نظام بلاده عن الحركة الاسلامية التركية بمبدئيته الصارمة، بينما تتميّز الثانية ببراغماتية نجحت الى حد بعيد في التوفيق بين احترامها لعلمانية الدولة ومحافظتها على قيم الدين الإسلامي.
بدا ذلك جليّاً في محاولة الرئيس التركي عبد الله غول، الذي التقى نجاد امس، إنقاذ الموقف الذي وُضع فيه الرئيس الايراني، بسبب تجنّبه زيارة ضريح مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال اتاتورك، البروتوكولية في أنقرة. فقد غُيّر البرنامج من عنوان «زيارة رسمية» الى «زيارة عمل»، ونقلت المحادثات من العاصمة الى مدينة إسطنبول، حيث سيلتقي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اليوم.
وتأتي زيارة نجاد التاريخية في أعقاب تشديد الدول الأوروبية العقوبات على طهران، وفي ظل الحديث عن مبادرة تركية لحل النزاع بين النظام الإسلامي والغرب، على غرار رعاية المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل؛ ربما كانت هذه المبادرات التي تقوم بها تركيا تصبّ في تهيئة الظروف لإيجاد دور هام لها في المنطقة كحلقة اتصال بين أوروبا وآسيا وبين الشرق والغرب، تمهيداً للانضمام الى الاتحاد الأوروبي.
ومن المفيد الاشارة هنا الى أن التقارب الإيراني ـــــ التركي بدأ أواخر التسعينيات، بعدما وصل حزب «الرفاه» الإسلامي الى سدة الحكم في الدولة العلمانية عام 1997؛ حينها عقد رئيس الوزراء آنذاك، نجم الدين أربكان، مع طهران اتفاقات عديدة أهمها اتفاق استيراد الغاز. وباتت تركيا تعتمد على إيران كمورد ثان بعد روسيا للغاز، في وقت تتوق فيه الى توسيع عمل شركاتها في مجالات الاستثمارات في حقول الطاقة الايرانية؛ تعهدت تركيا باستثمار 3.5 مليارات دولار في مراكز إنتاج الغاز الإيرانية، وهناك اتفاق شامل للاستثمار التركي في حقول جنوب فارس. لكن الملف الأكثر صعوبة في هذه المحادثات هو إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من إيران الى تركيا، الملف الذي أبلغ مسؤولون إيرانيون صحيفة «زمان» أنه سيكون مطروحاً في المحادثات بين نجاد وأردوغان اليوم.
وفي ملف العلاقات التجارية، وصلت التجارة بين البلدين الى 5 مليارات دولار في النصف الأول من العام الجاري، فيما تسعى أنقرة الى تنمية هذه العلاقات لتصل في نهاية العام الى 10 مليارات دولار.
ربما كان أحد أهم أسباب التقارب بين أنقرة وطهران في السنوات الأخيرة، الملف الأمني، حيث يواجه البلدان مقاتلي حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة «بيجاك» الكرديين.
في الموضوع الأكثر إثارة للجدل، ورغم إبداء تركيا العلمانية شيئاً من الودّ غير المسبوق تجاه جارتها الدينية، بيد أنها تتخوّف من البرنامج النووي على حدودها الشرقية، الذي قد يتحوّل الى برنامج عسكري يهدّدها. في هذا الإطار، نقلت صحيفة «توركيش دايلي نيوز» عن مسؤول تركي قوله «أخبرنا الايرانيين: أنتم تحتاجون إلى الطاقة النووية. ونحن نحتاج إليها أكثر منكم. لكن البرنامج النووي ينبغي أن يكون شفافاً ويقع على عاتقكم إثبات سلمية برنامجكم».
من الطبيعي أن ثمة مفارقات في العلاقة الإيرانية ـــــ التركية، تبدأ من عضوية أنقرة في حلف «الأطلسي» الذي تعاديه طهران، وتنتهي بالعلاقات الوطيدة بين أنقرة من جهة وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، بينما ترتبط طهران بعلاقة عداء مع العاصمتين. لعلّ ذلك تجلّى أكثر في الصحف التركية التي انتقدت استقبال انقرة لأحد منكري المحرقة النازية والداعين لإزالة إسرائيل عن الخريطة.
نهاية المطاف هنا، سؤال عن وجه الفائدة من زيارة الرئيس الإيراني الى تركيا. سؤال يجيب عنه دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى لوكالة «رويترز» بقوله إن «الزيارة لن تكون مفيدة لتركيا بقدر ما ستكون كذلك بالنسبة لنجاد الذي سيسرق الأضواء لمدة 15 دقيقة مطلقاً العنان لهجماته ضد إسرائيل والولايات المتحدة».