واشنطن ــ محمد سعيديُجمع الخبراء والمحلّلون الاقتصاديّون على أن الحرب بين روسيا وجورجيا، سيكون لها تأثير كبير مستقبلاً على الاقتصاد الجورجي، وأنها قد تضع حداً لجهود تنمية الدولة السوفياتية سابقاً، اعتماداً بالدرجة الأولى على الاستثمارات الأجنبية وعوائد مرور أنابيب النفط في أراضيها.
فبعد سنوات صعبة واجهتها البلاد منذ انفصالها في عام 1991 عن الاتحاد السوفياتي وحتى «ثورة الورود» في عام 2003، التي جاءت بالرئيس الحالي الموالي لواشنطن ميخائيل ساكاشفيلي، عاش الاقتصاد الجورجي انتعاشاً أثار إعجاب المؤسسات المالية الدولية، وخاصة البنك الدولي.
فبفضل سياسات «الإصلاح» النيوليبرالية التي انتهجتها تبيليسي منذ 2003، أصبحت البلاد إحدى أفضل الاقتصاديات ديناميكيةً في المنطقة، ووصل معدّل النمو الاقتصادي فيها إلى 10 فى المئة بين 2006 و 2007.
وبالرغم من أنّ اقتصاد جورجيا يعتمد على الزراعة، التي تمثل 30 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، إلا أنّ قطاعي الإنشاء والاتصالات يشهدان طفرة كبيرة، فضلاً عن موقع جورجيا المميّز بين بحر قزوين والبحر الأسود، وهو ما يجعل من هذا البلد ممراً استراتيجياً لغاز آسيا الوسطى ونفطها بعيداً عن إيران وروسيا اللتين تحتكران معظم إمدادات الطاقة في هذه المنطقة.
وراهنت شركات النفط الغربية على هذه الدولة لتنمية صادراتها المستخرجة من شواطئ قزوين الآذرية، حيث قامت 10 مجموعات نفطية غربية في مقدمتها شركة «بريتيش بتروليوم» بإنشاء وإدارة خط أنابيب باكو ــ تبيليسي ــ جيهان بتكلفة وصلت إلى 3 مليارات دولار، لنقل نحو 1.2 مليون برميل نفط يومياً، وهو ما يعادل 1.4 في المئة من الإمدادات النفطية العالمية.
كما قامت الشركة نفسها بتحديث خط أنابيب باكو ــ سوبسا، الذي يعود إلى العهد السوفياتي ويصب على الساحل الجورجي المطل على البحر الأسود، بالإضافة إلى تشغيل خط باكو ـــ تبليسي ــ أرضروم الذي ينقل نحو 8 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً من أذربيجان عبر جورجيا حتى تركيا، وهو ما يؤمن لجورجيا دخلاً كبيراً.
ويلاحَظ أنّ العلاقات الروسية ــ الجورجية بدأت فى التأزم منذ وصول ساكاشفيلي للسلطة. عندها أوقفت موسكو الرحلات الجوية والبرية والبحرية بين البلدين منذ 2006، بالإضافة إلى وقف الحوالات البريدية لجورجيا وحظر استيراد العديد من المنتجات الجورجية.
ورغم أن تبيليسي استطاعت التغلب على العقوبات الروسية، إلا أن المعارك الأخيرة تهدّد الاقتصاد الجورجي جدياً في ظلّ ارتفاع معدل الإنفاق الحكومي وارتفاع نسب الفساد، فيما لا يزال الفقراء يمثلون الأغلبية العظمى من الشعب. وفي السياق، خفضت مؤسسة «ستاندارد أند بورز» تقديراتها الخاصة بجدوى الاستثمار في جورجيا منذ يوم الجمعة الماضي، تاريخ بدء الحرب.
ويرى المحلل في مؤسسة «ستاندارد أند بورز» تريفور كولينان أنّ مخاطر الصراع على الاقتصاد الجورجي تتمثل فى إثارة مخاوف المستثمرين الذين أدّوا الدور الأكبر في الأداء الاقتصادي القوي للبلاد، بسبب ارتفاع معدّل الإنفاق الحكومي العسكري.
من جهتها، ترى الباحثة في مؤسسة «فوند» للأبحاث الاستراتيجية، إيزابيل فاكون، أنّ الموقع الاستراتيجي لجورجيا يمكن أن يفقد أهميته بسبب الحرب، ملمّحة إلى أن موسكو قد تتخذ من الأزمة الحالية فرصة لإثبات أن هذه المنطقة ليست آمنة لإنشاء خطوط أنابيب مستقبلاً، ما قد يضرب نظرية أنّ جورجيا تمثّل طريقاً بديلاً للنفط والغاز الواصلين من الدول العربية وإيران وروسيا.
وبالفعل، فقد بدأت الحرب تؤثّر على نقل النفط عبر جورجيا، حيث أعلنت شركة «بريتيش بتروليوم» أمس تعليق عمل خط أنابيب باكو ــ سوبسا مؤقتاً بسبب مخاوف أمنية، لافتة إلى أنه سيُعاد العمل في هذا الخط «حينما يُتأكد من عدم وجود مخاطر تحول دون عمله بأمان تام».
وكانت أذربيجان أعلنت منذ يوم السبت تعليق صادراتها النفطية عبر مينائي كوليفي وباتومي الجورجيّين المطلّين على البحر الأسود بسبب النزاع المسلَّح.