الحرب الباردة عادت»، اقتناع تبدو راسخة في الذهنية الرسميّة الأوروبية، ولا سيما لدى أقطاب «أوروبا القديمة»، الذين يسعون إلى رمي كرة اللهب بعيداً، في أحضان الأمم المتحدة
باريس ــ بسّام الطيارة
فيما يمضي الرئيس نيكولا ساركوزي ما بقي من إجازته في منزل زوجته في «كاب نيغر» على الشاطئ الأزوري في جنوب فرنسا، لا تزال «نقاط خطته لوقف إطلاق النار» بين روسيا وجورجيا تتنقل من يد إلى أخرى وتتجول بين العواصم.
توقفت وزيرة الخارجية الأميركيّة، كوندوليزا رايس، قبل «زيارة الدعم» إلى جورجيا، في «كاب نيغر»، لتقويم الوضع مع ساركوزي ولمحاولة إعادة الولايات المتحدة إلى واجهة التحرك الدبلوماسي، إذ إن غيابها مثّل نوعاً من التأكيد «على أن الصراع هو بين واشنطن وموسكو»، كما ذكر أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، الذي اعترف، لـ«الأخبار»، «بعودة الحرب الباردة بسبب ضعف الإدارة الأميركية».
وتنظر المصادر الدبلوماسية الفرنسية، التي عليها أن «تنظر وتفكر وتصرِّح باسم الاتحاد الأوروبي» بحسب تعبير مصدر مسؤول في الكي دورسيه، بريبة إلى إعلان الاتفاق البولندي ـــــ الأميركي حول نشر قواعد الصواريخ على بعد ٢٠٠ كيلومتر من الحدود الروسية.
ورغم غياب تعليق الأوساط الفرنسية بسبب العطلة الصيفية، ورفض الأوساط المقربة من الإليزيه الإجابة عمّا إذا كانت رايس قد أعلمت ساركوزي بصدور الإعلان، إلا أن جميع المراقبين يشددون على أن «توقيت الإعلان سيئ، وأنه قد يؤخر الوصول إلى حل شامل لمشاكل القوقاز سريعاً». ويرى أحد المراقبين أن واشنطن أرادت أن تفيد موسكو بأنه لا شيء يمكنه أن يجعلها تتراجع عن نشر منظومة الصواريخ، إلا أن هذا الصراع ينعكس بقوة على أوروبا، لكون بولندا عضواً في الاتحاد، وإن كانت مواقفها منذ انضمامها تنم عن «قلة أخذ بالاعتبار» لموقف الاتحاد. ويذكر أن وارسو «كانت تضع فيتو على فتح مباحثات شراكة تجارية مع روسيا» رغم إلحاح فرنسا وألمانيا، التي تستورد ٣٥ في المئة من طاقتها من روسيا.
ومن هنا، يرى البعض أن «عودة الحرب الباردة» ستترك آثارها على الاتحاد الأوروبي، وهذا يعطي تفسيراً لتحرك ساركوزي لسحب فتيل الأزمة من بين يدي القطبين الروسي والأميركي ونقل الملف برمته إلى الأمم المتحدة.
ويقول مراقبون إن ساركوزي يريد أن يضع التسوية الموقّعة تحت إشرافه على خط الحل قبل أن تنتقل القضية برمتها إلى نيويورك، حيث بدأ الأمين العام للأمم المتحدة تحركه بلقاءات مع موفدين روس وأميركيين لوضع مشروع قرار وقف لإطلاق النار تحت إشراف أممي. ويرى بعض المقربين من الملف أن باريس وبرلين تودان تجنب أي «مشادة» في مجلس الأمن تعرقل الخروج بمشروع قرار يرضي موسكو، وفي حال عرقلة الأمور، فإن ساركوزي يسعى جاهداً لأن يكون هناك تثبيت لوقف إطلاق النار بانتظار حلحلة الأمور، إذ إنه متأكد كما هو حال المستشارة أنجيلا ميركل، من أنه «لا حل قبل أن تتوافق موسكو وواشنطن». إنها عودة الحرب الباردة بكل ثوابتها.