باريس ــ بسّام الطيارةلم يقطع وزير الخارجية الفرنسية، برنار كوشنير، إجازته الصيفية، لأنه بكل بساطة لم يحظ هذا العام بإجازة بسبب تدافع الأحداث في جورجيا، مع أنه كان، حسب مصادر موثوقة، يعتزم قضاء فترة من إجازته مع «صديقه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي»، إلا أنه يستعد حالياً للقيام بجولة في الشرق الأوسط تشمل لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى إسرائيل.
جولة من المقرر أن تبدأ السبت في دمشق، حيث يعمل على التحضير لزيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المقررة الشهر المقبل.
ورغم أن «نقاط الرئيس ساركوزي الست» لوقف إطلاق النار بين جورجيا وروسيا ومحادثاته الهاتفية مع زعماء العالم بشأن القوقاز تحتل الساحة الإعلامية، إلا أن كوشنير الذي كان أول من «وطئ أرض المعركة» في جورجيا، في اليوم الثاني من دخول القوات الروسية، لا يزال يؤدي دور «بيضة القبان» بين ابتعاد ساركوزي عن «المبادئ الأوروبية وتجاوزه لوحدة الأراضي الجورجية» عبر النقاط التي أجازت لموسكو إجراء دوريات داخل الحدود الجورجية، وتطلعات الرأي العام الأوروبي، الذي يبحث عن «شجب صريح لتصرفات الدب الروسي».
الشجب الصريح لم يصدر عن باريس بعد، رغم تشديد ساركوزي اللهجة أول من أمس. ويتفق كوشنير مع عدد من المراقبين على أن جورجيا كانت البادئة في الاعتداء، وأنها أساءت تقدير الوضع. وحسبما قال في مقابلة لصحيفة «جورنال دو ديمانش» الأسبوعية، فإن تبيليسي «وقعت في أخطاء كبيرة» قبل أن يضيف أن «ردة الفعل كانت غير متناسبة من جانب الروس». وشدد على أن من المبكر توجيه الملامات إلى فريق، مشيراً إلى أن هذا يعود لـ«المؤرخين».
وكان واضحاً أن كوشنير سعى إلى تفادي انتقاد أيٍّ من الطرفين، وخصوصاً أن دور فرنسا بدا كأنه «يسهِّل أمر الروس»، بينما انهالت الانتقادات من الطرف الأميركي ومن جورجيا التي طالبت بشجب صريح للعدوان.
ولاحظ مراقبون أن كوشنير كان الوحيد الذي انتقد «حديث العودة إلى الحرب الباردة»، ووصفه بأنه «سطحي وليس واقعياً». وقال في مقابلته إن أوروبا بحاجة إلى إبقاء الاتصالات مع روسيا. وأعرب عن بعض التفهم للموقف الروسي المنتقد لنشر منظومة الصواريخ الأميركية في بولندا، مشدّداً على ضرورة «تفهم انتقادات روسيا وتخوفاتها»، ولكنه استطرد بأن «بولندا بلد ذو سيادة».
تصريحات وزير الخارجية الفرنسي تعبّر عن المخاوف الأوروبية من استخدام واشنطن الساحة الأوروبية في صراعها مع روسيا، فانتقد بشكل غير مباشر الأميركيين، حين قال: «يقولون إن روسيا غير مستهدفة، نحن متأكدون من ذلك»، قبل أن يضيف أن الاتحاد الأوروبي يعرف كيف يحاور روسيا، «علينا ابتكار لغة جديدة في ما يتعلق بروسيا».
وفي عودة إلى الوضع في جورجيا، أمل كوشنير أن تجيز الامم المتحدة قراراً يسمح بنشر قوة حفظ سلام دولية، ولكنه قال إن الأمر سيتطلب أسابيع قبل أن يتسنى تحقيق هذا الأمر. ويقول أحد المقربين من هذا الملف إن انتقاد بولندا للخطوات الفرنسية والتشكيك فيها ليس في محله، إذ إن الدبلوماسية الفرنسية لا تزال تجد أذناً صاغية في موسكو بينما «تتكلم وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس وكأنها تخاطب الهواء»، وتوجه خطابها لحلفائها، بينما القوات الروسية هي التي تسيطر على الأرض والمطلوب مخاطبة موسكو لسحبها.