موسكو | يبدو أن الاتفاقات التي توصلت إليها «رباعية نورماندي» في العاصمة البيلاروسية مينسك لتسوية النزاع في شرقي أوكرانيا قد أصبحت على شفا الانهيار.كان أحد بنود هذه الاتفاقات يقضي بأن يوقف الجانبان إطلاق النار منتصف ليلة الأحد الماضي، وأن يبدأ بعد يومين من ذلك بسحب أسلحتهما الثقيلة مسافة متساوية لإقامة منطقة منزوعة السلاح، يتراوح عرضها بين 50 و70 كلم وفقاً لأنواع الأسلحة، وأن ينتهيا من ذلك خلال 14 يوماً.
وعلى العكس من ذلك، فقد استمرت المعارك العنيفة حول مدينة ديبالتسيفو وداخلها، ويتهم الطرفان أحدهما الآخر بخرق وقف إطلاق النار.

وبالطبع فقد سارعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جين بساكي، إلى توجيه الاتهام بتصعيد المعارك إلى موسكو ودونيتسك ولوغانسك، وأكدت من جديد رصد الاستخبارات الأميركية رتلاً من الدبابات الروسية وهي تتجه إلى دونباس.
وفيما تؤكد قوات الدفاع الشعبي، التابعة لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد، محاصرتها لنحو عشرة آلاف جندي ومتطوع أوكراني في «مِرجل» ديبالتسيفو، تنفي كييف إحكام الطوق على عسكرييها.
وكانت قضية «مِرجل» ديبالتسيفو حجر عثرة كأداء أمام التوصل إلى اتفاق ما في مفاوضات «رباعية نورماندي» في مينسك. وحسب مصادر صحيفة «كوميرسانت» الروسية، فإن جزءاً كبيراً من المفاوضات قد كرس لهذه المشكلة بالذات للتحقق من وجود «المِرجل» من عدمه، من دون التوصل إلى اتفاق محدد، وذلك على الرغم من أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أكد استناداً إلى الاستخبارات الفرنسية إحكام الطوق على المدينة الأوكرانية.
وتشير مصادر أخرى إلى أن إحكام الطوق على ديبالتسيفو هو الذي جعل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وهولاند يهرعان إلى موسكو لإنقاذ مصير الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو.
وتعزو صحيفة «هيراتيس دي فاكتو» الأرمينية إسراع ميركل وهولاند إلى الكرملن أيضاً إلى وجود 1500 من عسكريي حلف شمال الأطلسي داخل الجيب المحاصر، بمن فيهم ضباط من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، وأن برلين وباريس أرادتا تجنّب وقوع فضيحة دولية.
بيد أن كييف تصرّ على خروج قواتها من «المرجل» بأسلحتها الثقيلة والخفيفة، ما يمكن أن يعدّ اختراقاً لخطوط الخصم وانتصاراً لها ونفياً لإحكام الطوق حول عسكرييها، في حين أن دونيتسك ولوغانسك لن تسمحا للمحاصرين بالخروج إلا بعد تسليم أسلحتهم، ما سيعدّ هزيمة لبوروشينكو ودعماً لخصومه من حزب الحرب.
وتشير آخر الأخبار إلى أن المعارك التي تدور في المدينة نفسها كان يقودها ألكسندر زخارتشينكو رئيس «جمهورية دونيتسك الشعبية»، الذي أصيب في رجله خلال المعارك، ونقل إلى المستشفى، حسب المصادر الإعلامية الروسية.
وقد أعلن ممثلو دونيتسك ولوغانسك أن قوات الدفاع الشعبي سيطرت على 80% من المدينة، بما في ذلك قسم الشرطة ومحطة القطار في المدينة، وأن ما لا يقل عن 125 جندياً أوكرانياً قد سلموا أنفسهم لهذه القوات، وأكدوا أن تطهير المدينة سيكتمل بعد بضعة أيام.
من جانبها، تحاول كييف التقليل من حجم المشكلة، رغم تأكيد مراسل مجلة «نوفوي فريميا» الأوكرانية الموالية لبوروشينكو من أرض المعركة أن ديبالتسيفو مطوّقة وأن الخروج من المدينة بغير خسائر مستحيل؛ فالسلطات الأوكرانية الجديدة لا تريد أن يتذكر مواطنوها «مرجلاً» آخر في مدينة إيلوفايسك، حيث حوصر العسكريون والمتطوعون الأوكرانيون طيلة أسبوع على تخوم آب وأيلول الماضيين، من دون أن يتلقوا أي تعزيزات، أو يُسمح لهم بالتفاوض حول مصيرهم، ما أدى إلى مقتل نحو 1000 جندي ومتطوع واستسلام 223 منهم، باعتراف وسائل الإعلام الأوكرانية، الأمر الذي أثار موجة من التعاطف معهم في كييف، حيث تظاهر مئات الأشخاص أمام مقر الرئاسة الأوكرانية استنكاراً لمصيرهم.
ويرى مراقبون أن تعنّت «رئيس السلام» بوروشينكو يعود إلى أن استمرار الصراع لا يقلقه كثيراً، فهو يتحرق شوقاً بانتظار الأسلحة الأميركية «الفتاكة»، التي لن يجد صعوبة في إيجاد مبرر على الجبهة لوصولها إلى أوكرانيا، ولا سيما أنه اعترف للفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي بحاجته إلى شهرين لالتقاط الأنفاس، ما يعني أن السلام لن يحل قريباً على الأرض الأوكرانية المعذبة.