هآرتس ـ إيتمار رابينوفيتش تفرّغ الآن، مع انتهاء القتال في جورجيا، صناع السياسة والمحللون في الغرب لتحرير النتائج واستخلاص العبر. الصورة التي يرسمونها سيئة. روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين استخدمت قوة فظة بهدف إخضاع جارة عاصية. الولايات المتحدة التي شجعت الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي على الوقوف في وجه موسكو لم تقدم له دعماً حقيقياً. الجمهوريات التي كانت تابعة للسوفيات سابقاً ستفكر بعد الآن مرتين قبل أن تتصادم مع روسيا أو تقع في إغراء الوقوف في ظل الولايات المتحدة و«الأطلسي» أو الاتحاد الأوروبي. احتمال تدفق النفط من بحر قزوين من دون الاعتماد على روسيا تقلص جداً.
بالنسبة إلى الشرق الأوسط، ستكون للأزمة في جورجيا آثار محددة. قلّت احتمالية التعاون الأميركي ـــــ الروسي لفرملة المشروع النووي الإيراني، وازداد احتمال تبلور سياسة روسية طموحةً، بما في ذلك بيع منظومات السلاح الحديثة لإيران وسوريا. يجب أن تضاف إلى هذه الأمور سلسلة آثار غير مباشرة أخرى. وفي هذا السياق، يبرز التشابه بين الخطوة الروسية في القوقاز والخطوة التي استكملتها إيران وسوريا في لبنان في السابع من أيار هذا العام. آنذاك، بدأ صراع مسلح بين حزب الله والقوى المنضوية في «ائتلاف الرابع عشر من آذار» بقيادة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة. حزب الله تغلب على خصومه في المجابهة العنيفة، إلا أنه تجنب استكمال الإنجاز العسكري واختار ترجمته إلى ثمار سياسية.
المغزى الكامل للتسوية في الدوحة اتضح خلال فترة قصيرة. خلال الاحتفالات التي نظمها حزب الله على شرف عودة سمير القنطار إلى لبنان، شوهد الرئيس ورئيس الوزراء (الأخير بدا كمن أصابه مسٌّ) في الاحتفال، وبذلك تبرهن قبولهما لزعامة حزب الله وطمس الفواصل بينه وبين مؤسسات الدولة، وقد تبنيا بذلك القنطار وأعمال القتل التي نفذها بوصفها أعمالاً بطولية وطنية لبنانية.
الأهم من ذلك، أن البرنامج الأساسي للحكومة الجديدة، وخطاب الرئيس ميشال سليمان، قد أضفيا الشرعية على مواصلة حزب الله كفاحه من أجل تحرير مزارع شبعا. هذا الأمر أضفى عليه مكانة موازية لمكانة الجيش اللبناني، ومنطقاً في مواصلة المقاومة العنيفة لإسرائيل، لا بوصفه تنظيماً إرهابياً، بل ذراعاً للدولة اللبنانية. حزب الله وسادته الكبار اكتفوا في الوقت الحاضر بهذه الإنجازات واختاروا عدم استنفاد الانتصار العسكري وتحويله إلى قفاز للسيطرة الكاملة على الدولة اللبنانية.
التشابه بين سلسلة الأحداث المذكورة والأزمة في جورجيا بارز للعيان: إيران وسوريا في دور يوازي دور روسيا، والسنيورة في موقع يوازي موقع ساكاشفيلي المؤيد للغرب، وهو أيضاً من الذين منحهم جورج بوش رعايتهم. حزب الله في هذه اللعبة يشبه الانفصاليين في جنوب أوسيتيا وأبخازيا، وفرنسا كوسيط غربي نشيط، وفوق كل شيء، الدور الذي أدته الولايات المتحدة بقيادة بوش في تشجيع ساكاشفيلي والسنيورة الداعيين للديموقراطية والمؤيدين للغرب. كلاهما حاولا إيقاف الاندفاع وعلقا في مجابهة مع قوة تفوقهما حجماً ليجدا أن إدارة بوش لم تكن إلا سنداً وهمياً وضعيفاً.
إسرائيل تابعت، ولا تزال، الأزمة في القوقاز. إلا أن اهتمامها في مجرى الأمور في لبنان أكثر أهمية وإلحاحاً. هي فضلت حتى الآن متابعة الأحداث في لبنان بصفة مشاهد شبه سلبي. عبرة محاولة التدخل في السياسة اللبنانية التي جرت في عام 1982، وترسبات حرب لبنان الثانية في 2006 فرضتا على إسرائيل ضبط النفس، وخصوصاً أن حكومتها قد وصلت إلى نهاية طريقها.
التطورات في لبنان تنخرط من وجهة نظر إسرائيل في الصورة السياسية الاستراتيجية المعقدة: سعي إيران إلى الزعامة الإقليمية وامتلاك السلاح النووي، محور إيران ـــــ سوريا وحزب الله، والمفاوضات الجارية في المقابل مع سوريا ومع السلطة ومع «حماس»، وقرار إدارة بوش الامتناع عن شن هجوم على منشآت إيران النووية وضغطها على إسرائيل لانتظار التحركات الدبلوماسية في هذا المجال ـــــ كل ذلك في الوقت الذي تمر فيه حكومة إسرائيل وإدارة بوش في أواخر عهدهما بينما يغرق الورثة المحتملون القادمون في حملاتهم الانتخابية والصراعات على التركة.
هذه الفترة الانتقالية قد تنتهي أواخر شتاء 2009. حينئذ ستضطر الإدارة الجديدة في واشنطن وحكومة إسرائيل إلى بلورة استراتيجية شاملة وحلول محددة للقضايا المذكورة أعلاه. في ظل المعضلات التي يمثلها حزب الله وأسياده في لبنان بالنسبة إليها، سيكون على إسرائيل أن تختار بين الرد السياسي (تسوية مع سوريا من ناحية إسرائيل وحوار مع إيران وسوريا من جانب أميركا أو مع سوريا وحدها) والاستعداد للتحديات الأشد جسامة من تلك التي شهدناها في صيف 2006.