باريس ــ بسّام الطيارة «حرب بلا نهاية»، هي الصفة التي يطلقها خبراء غربيون على «الحرب التي يشنّها حلف شمالي الأطلسي» في أفغانستان. ويتفق أكثر من مصدر على أنه من الصعوبة بمكان ربح معركة في هذه الظروف.
غير أنّ هذه الخلاصة يبدو أنها لم تقنع بعد الرئيس نيكولا ساركوزي، الذي عاد إلى باريس بعد «جولة ميدانية»، كان واضحاً خلالها أنه لم يتخلَّ عن عناده في شأن ضرورة بقاء بلاده في طليعة القوات الأطلسيّة في أفغانستان، رغم الفجيعة التي منيت بها بعد مقتل 10 من جنودها في يوم واحد.
وفي محاولته شدّ أزر جنوده المصدومين بأكبر خسارة بشرية تلحق بهم منذ أكثر من ربع قرن، دعاهم الرئيس الفرنسي من كابول إلى «النهوض مجدداً» لمواصلة عملهم في «مكافحة الإرهاب ومن أجل الحرية والديموقراطية». وخاطب ساركوزي، الذي رافقه وزيرا الخارجية برنار كوشنير والدفاع إيرفيه موران، جنوده بالقول «أفضل طريقة للوفاء لرفاقكم هي مواصلة العمل والنهوض مجدداً والعمل كمهنيين».
وحسم سيّد الإليزيه النقاش الدائر حول مطالب انسحاب جيشه من أرض المعركة، فأشار إلى أنه لا يشكّ «في ضرورة وجودنا هنا»، موضحاً أنه «إذا كان الأمر يتطلب تكراراً (لقرار إرسال الجيش الفرنسي) فسأكرّره».
لكنّ كل تفاصيل الوضع الأفغاني تعقّد الوضع على ساركوزي. وبحسب أكثر من مراقب، فإنّ الحرب «ابتعدت عن أهدافها النبيلة» بالقضاء على القاعدة وطالبان ونشر الحرية والديموقراطية، بعدما استوعبت قوات المجاهدين وطالبان الضربات الأولى وانتظرت «أخطاء القوات الغربية وتخبّطها، إضافة إلى انتشار الفساد في محيط (الرئيس حميد) قرضاي».
وأسباب فشل التجربة الأفغانية الجديدة كثيرة، لكنّ النتيجة تبقى واحدة: وضع الشعب الأفغاني ما زال كما هو، لا بل يشهد مجتمعه تراجعاً في عدد من الميادين، في ظل ضعف الجيش وشكوك كبيرة في ولاء أفراده للحكومة المركزية. أما في الأطراف، فإن الحكومة لا تسيطر على المقاطعات الشرقية والجنوبية «إلا من خلال قوافل عسكرية تحميها الطائرات الأطلسية».
لكنّ ثمة أمراً واحداً قد يكون خفّف من وطأة الصدمة عن ساركوزي عندما وصل إليه خبر الفاجعة العسكرية. فالكمين قد نصب في منطقة الوسط «حيث يوجد جنود فرنسيون منذ عهد (الرئيس السابق جاك) شيراك» لا في المنطقة التي أُرسل ٧٠٠ جندي فرنسي إليها بقرار الرئيس الحالي. وبالتالي، فإن «الثقل السياسي لهذه الخسارة» ممكن تحمّله. غير أن تركيز صحافة بلاده على «ما يجلبه الحلف الأطلسي» على فرنسا من ارتباطات مرتفعة الثمن، أكان على مستوى علاقات باريس بالشرق الأوسط والعالم العربي أم بأوروبا الشرقية، يوحي أنّ الحملة ستكون قاسية عليه بما يفوق قدرته المعروفة على الالتفاف والتخلّص من المساءلة.