حسمت روسيا على ما يبدو خيارها باتجاه التصعيد الشامل في مواجة الولايات المتحدة، معلنة تجميد اتصالاتها مع حلف شمالي الأطلسي، واستعدادها لإقامة منظومة دفاع جوي موحّدة مع روسيا البيضاء، وملوّحة باضطرابات في أفغانستانبعد أيام من اعتماد الغرب، وفي مقدّمه الولايات المتحدة، دبلوماسية محشوّة بأعمال تصعيدية، أهمها اتفاق الدرع الصاروخية مع بولندا، أول من أمس، حسمت روسيا خياراتها، وأعلنت المواجهة. أما الوسائل، فتمثلت أوّلاّ بتجميد كل العلاقات والاتصالات مع حلف الأطلسي، الذي كان قد أبقى المشاورات مفتوحة مع موسكو رغم إعلانه وقف اجتماعاته معها، والإعداد لإقامة درع صاروخية مقابلة مع روسيا البيضاء.
في المقابل، طالبت أوكرانيا روسيا ببدء التفكير منذ الآن بسحب أسطولها من ميناء سيباستوبول الأوكراني، في خطوة استفزازية تهدد بـ«أعمال انتقامية» ضد كييف، بالتزامن مع إصرار أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية على المطالبة بالاستقلال.
وأعلن السفير الروسي في روسيا البيضاء، ألكسندر سوريكوف، عن الاتفاق مع هذا البلد على إقامة منظومة دفاع جوي موحّدة، لمواجهة الدرع الصاروخية الأميركية. وقال سوريكوف، في مؤتمر صحافي في مينسك، «يدور الحديث عن إنشاء منظومة الدفاع الجوي الروسية ــــ البيلاروسية المشتركة منذ عام 2001، أي قبل طرح فكرة نشر عناصر من المنظومة الأميركية للدفاع المضادة للصواريخ في تشيكيا وبولندا. ومن المحتمل أن تتضمن الاتفاقية عناصر رد مناسب على المنظومة الأميركية».
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فأعلن أن مستقبل علاقات بلاده مع منظمة حلف شمالي الأطلسي، «يتوقف على كيفية اختيار الحلف التصرّف»، موضحاً «لا نخطط لصفق الباب في وجههم. كل شيء يتوقف على الأولويات التي يختارها الحلف لا علينا. إذا كانت تتحرك باتجاه دعم نظام الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي المفلس، فهذا ليس خيارنا».
وأكد لافروف أن الأطلسي «بحاجة إلى روسيا أكثر مما هي بحاجة إليه، ولا سيما في أفغانستان، حيث سيتقرر مستقبله».
وبعد كلام لافروف، كانت المفاجأة مع إعلان المتحدثة باسم حلف الأطلسي، كارمن روميرو، أن «الروس قرروا وقف نشاطات التعاون العسكري مع الحلف»، الأمر الذي وصفته واشنطن بالمؤسف. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، غوردون غوندرو، «في الوقت الحالي، لا أستطيع أن أتخيّل ظرفاً يمكن أن نتعاون فيه عسكرياً مع الروس إلا بعد حل الأزمة في جورجيا».
وفي ما يتعلق بالانسحاب الروسي من جورجيا، قال لافروف إن «بلاده تعتزم إبقاء 500 جندي في منطقة أمنية تحيط بأوسيتيا الجنوبية»، موضحاً «غداً ستقام ثماني نقاط تفتيش في المنطقة الأمنية حيث سيجري نشر 500 من أفراد حفظ السلام».
أما الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، فتطرق أيضاً إلى موضوع الانسحاب، مشيراً إلى أن موسكو تحاول «خداع العالم»، وموضحاً أنهم «ينسحبون من كبرى المناطق الآهلة مثل غوري لإعادة التموضع في أماكن استراتيجية». وبالتوازي مع التطورات الميدانية، أعلن مصدر روسي رفيع المستوى أن «سماح تركيا بدخول قطع الأطلسي إلى البحر الأسود المتاخمة بصورة مباشرة لحدود منطقة الأمن التي يعمل فيها أسطول البحر الأسود الروسي، سيؤدي إلى تصعيد التوتر في هذا البحر». وأشار المصدر إلى أنه «ليس ثمة أيّ ضمانات لعدم توريد أسلحة أو مكوّنات أنظمة باتريوت المضادة للصواريخ إلى جورجيا».
في السياق، أعلن السيناتور الأميركي جوزف ليبرمان أنه «يرغب في طرد روسيا من مجموعة الثماني لفترة، ومنع انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عقاباً على أعمالها في جورجيا».
قضية الدرع الصاروخية والانسحاب الروسي من جورجيا، انعكست مرة أخرى في مجلس الأمن، ليلة أول من أمس، إذ طرحت روسيا على المجلس مشروع قرار وصفه مندوبها لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بأنه «مطابق لخطة السلام التي تولّتها فرنسا». إلاّ أن نائب المندوب الأميركي، أليخاندرو وولف، رأى أن «الوثيقة تمثّل تفسير روسيا الخاص للأحداث، ما يجعل الموافقة عليها غير محتملة».
وبعد التهدئة الأوكرانية حيال روسيا، أول من أمس، أعلن وزير الخارجية الأوكراني، فولوديمير أوغريزكو، لصحيفة «إزفيستيا» الروسية، أن على «موسكو الاستعداد من الآن لسحب أسطولها من البحر الأسود، والذي يفترض أن يغادر عام 2017 قاعدة سيباستوبول السوفياتية السابقة التي يستأجرها من أوكرانيا». كما اتهمت كييف موسكو بالاستعداد للانتقام منها.
(أ ف ب، يو بي آي، أ ب، رويترز)