يمثّل فريق العمل الهائل للمرشّح الجمهوري جون ماكاين، مزيجاً من أباطرة منظومة المحافظين الجدد، ومجموعة من الديموقراطيين السابقين أو الجمهوريين «الأقلّ تشدّداً». النتيجة تظهر بوضوح في خطابات المرشّح العجوز. فهو «محافظ جديد شرس» في السياسة الخارجية، الممهورة بخاتم الرعب من الإسلام السياسي، بينما يبدو أقرب إلى الوسط في القضايا الاجتماعية الداخلية
واشنطن ــ محمد سعيد
انتُخِب جون ماكاين (72 عاماً) للمرة الأولى عضواً في مجلس النواب الأميركي عن ولاية أريزونا عام 1982 وأعيد انتخابه عام 1984 ليفوز عام 1987 بعضوية مجلس الشيوخ ممثلاً للولاية نفسها التي لا يزال يمثّّلها حتى اليوم. وهو يعدّ من المحافظين الأقل تشدداً في الحزب الجمهوري، مقارنة بتيار المحافظين الجدد.
وتركّز حملته الانتخابية الرئاسية على «خبرته المتنوّعة في السياسة الخارجية» التي استقاها من عمله كطيار في سلاح البحرية الأميركية وسقوطه أسيراً في فيتنام. كما يعوّل على رصيده السياسي الذي كوّنه باحتلاله عضوية الكونغرس لـ25 عاماً في مقابل السنوات الثلاث التي قضاها منافسه الديموقراطي باراك أوباما.
ومن أبرز ما عُرف عن ماكاين خلال حملته الانتخابية، أنه ظلّ من أقوى الداعمين لزيادة عدد جيش بلاده في العراق، الذي يصوّر المرشّح الجمهوري احتلاله بأنّه «الجزء الحاسم من النضال الأكبر» ضدّ «التطرف الإسلامي الذي يهدّد الأمن الأميركي».
غير أنّ ماكاين اختلف في الوقت نفسه، مع العديد من زملائه الجمهوريين، في مواضيع عديدة مثل التغيّر المناخي، والهجرة، والحاجة إلى منع وسائل التحقيق القاسية، وخاصة في معتقل غوانتانامو.
ويضمّ طاقم مستشاري ماكاين مجموعة واسعة من استراتيجيّي الحزب الجمهوري المحنّكين وصانعي السياسات السابقين، المعروفين منهم، والمغمورين لكن الفاعلين جداً.
وتشير تقارير إعلامية إلى وجود صراع داخل فريق حملته بين البراغماتيين السياسيّين، وخليط من المحافظين الجدد والخبراء «الصارمين» في شأن إبراز قوة أميركا عالمياً.
ويعتقد تيد غالين كاربنتر من معهد «كاتو»، (مؤسسة بحثية ليبرالية نسبياً)، المعروف بأنه كان معارضاً لشنّ حرب العراق، أنّ المستشارين الأكثر واقعية في حملة ماكاين مثل هنري كيسنجر، يزيّنون الواقع إلى حدّ كبير لحمايته من اتهامات الديموقراطيين الذين يأخذون عليه انتماءه إلى المحافظين الجدد. ويضيف «ماكاين تابعٌ مملوك بالكامل للمحافظين الجدد تقريباً حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية». حقيقة تفسّر المواقف المتشدّدة للمرشح الجمهوري، ليس فقط في ما يتعلق بالعراق، حيث عبّر عن عزمه البقاء فيه ما لزم الأمر حتى تحقيق «النصر»، لكن أيضاً بشأن إيران وكوبا وكوريا الشمالية وحتى روسيا التي يريد استبعادها عن مجموعة الثماني.
ومعروف أنّ ماكاين مقرَّب من السيناتور جوزف ليبرمان، الذي كان مرشحاً لمنصب نائب الرئيس لدى الديموقراطيين عام 2000 والذي أدّى دعمه لحرب العراق إلى إبعاده عن حزبه.
وفي المجال الاقتصادي، فإنّ «مصادر وحي» ماكاين تكمن في مكان آخر. وفي هذا السياق، يرى مات ولش، كاتب سيرته الذاتية تحت عنوان «أسطورة شخص مقدام»، أنّ ماكاين «الذي يقوم بحملته على أساس السياسة الخارجية، يعتمد مقاربة اقتصادية لا تستند الى مبادئ أبعد من الثقة بالسوق ووعده بإصلاح صناديق التقاعد والصحة».
وكشف الصحافي في مجلة «ذي ويكلي ستاندرد» الناطقة باسم المحافظين الجدد، أندرو فيرغسون، أنّ المستشارين الاقتصاديين لماكاين، مختلفون جداً إلى حدّ أن «بعضهم، إذا وُضعوا في المكان نفسه، قد يتصادمون في ما بينهم».
ويضمّ فريق مستشاري ماكاين عدداً من أصدقائه القدامى إلى جانب عدد ممن تربطهم علاقة عمل بحملات الرئيس جورج بوش الانتخابية. وبعضهم الآخر سبق أن عمل مع المرشحين الجمهوريين في انتخابات الرئاسة منذ حملة رونالد ريغان الفاشلة عام 1976. ومن بين أبرز مستشاري ماكاين، هناك قلّة من الأسماء المعروفة لدى الرأي العام وعدد أقلّ مرتبط مباشرة بإدارة بوش. لكن في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فمن يهيمن هم المحافظون الجدد الذين تسيطر أفكارهم منذ التسعينيات، والذين استلهموا سياسة بوش الخارجية بعد هجمات 11 أيلول 2001.
وإلى جانب هنري كيسنجر وريتشارد أرميتاج (الذي كان قد توعّد بإعادة باكستان إلى العصر الحجري إذا رفضت الانضمام إلى الحرب ضدّ الإرهاب، مثلما كان جيمس بيكر قد توعد العراق عشية عدوان 1991 إذا لم ينسحب من الكويت)، هناك وزراء الخارجية السابقون: كولن باول، والكسندر هيغ ولورانس إيغلبيرغر وجورج شولتز، وريتشارد ويليامسون.
وإضافة إلى هؤلاء، هناك مستشار ريغان للأمن القومي روبرت ماكفرلين، والجنرال المتقاعد روبرت كيميت، ومستشار بوش الأب للأمن القومي برنت سكوكروفت، ووزير الدفاع الأسبق جيمس شليسنغر، ووزير البحرية الأسبق في عهد ريغان، روبرت بول.
وإلى جانب المسؤولين الحكوميين السابقين، يظهر «جيش» من أبرز منظّري المحافظين الجدد: وليام كريستول، وغاري شميدت، وجيمس وولسي وروبرت كاغان والمسؤول الكبير السابق في وزارة الدفاع بيتر رودمان. وبسبب العدد الواسع ممّن ينتمون إلى المحافظين الجدد واليمين المتطرف في طاقمه، فإنّ المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الأميركية والمعلق التلفزيوني البارز باتريك بيوكانان قال ساخراً إنّ «(نائب الرئيس ديك) تشيني سيبدو غاندي أمام ماكاين».
ويجمع عدد من المحلّلين على أنّ المذهب المثالي الذي يتّبعه هؤلاء المحافظون الجدد في تكوين سياسات ومواقف ماكاين، يفيد أنّ الشؤون العالمية يجب معالجتها من خلال «اتحاد للديموقراطيات»، على الرغم من أن الولايات المتحدة بحاجة إلى العمل مع دول أوتوقراطية من بينها مصر والسعودية في قضايا حيوية، كالنفط وتسوية الصراع العربي ــ الإسرائيلي و«الإرهاب»، في تعبير واضح عن المزج بين مذهبي الواقعيين والمحافظين الجدد.
وعن هذا الموضوع، يقول نورمان أورنشتاين، من معهد «أميركان إنتربرايز»، معقل المحافظين الجدد، «لدينا جون ماكاين الواقعي الذي يحاول التعايش سلمياً مع جون ماكاين المنتمي للمحافظين الجدد»، معترفاً بوجود «تنافس كبير من جانب الزعماء في كلا المعسكرين من أجل الاستئثار بآذان ماكاين ليجعلوا لرأيهم الأولوية».
ويشير مراقبون إلى أن تبنّي ماكاين لمواضيع السياسة الخارجية المتعلقة بالمحافظين الجدد تَرسّخ منذ حملته الرئاسية السابقة عام 2000، عندما دعا إلى سياسة «العودة إلى حالة الخداع» التي تعتمد على مساندة مجموعات المعارضة التي يمكنها لاحقاً أن تقصي بعض الحكومات التي ينظر إليها على أنها تهديد للولايات المتحدة. ونظّر ماكاين طويلاً لمشروعه «عصبة الديموقراطيات» الذي يرى أنه يجب أن يكون مجموعة من الأمم المتشابهة في الميول والأفكار، لتحلّ مكان منظمة الأمم المتحدة لتعمل ضد بعض تهديدات الأمن العالمي.
وعن نظرة ماكاين لنفسه، فهو يقول إنه شخص «مثالي واقعي» يمقت الحرب ويؤكد على أهمية احترام الحلفاء. في المقابل، يوضح خبراء عديدون في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي أنّ الرؤية العالمية لماكاين تتجاوز برامج مجموعة واسعة من الجمهوريين والديموقراطيين. ويصفه مدير الدراسات في المجلس غاري سامور بأنّه «مزيج ممتع من المحافظين الجدد، والتقليديين والعالميين المتوسطين الراغبين معاً بتكوين العالم على صورتنا». وفي شأن سياسته الخارجية، يصبح الحديث نافلاً عن تقديمه الخطر «الإسلامي» على بقية التحديات الأخرى. وهو أكد هذا الأمر بوضوح عندما شدّد على أنّ «المتطرفين الإسلاميين الراديكاليين يمثلون تهديداً فائقاً بسبب استعدادهم لاستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الأهداف الأميركية».
وفي ما يلي أبرز مستشاريه:
■ راندي شونمان: كبير مستشاريه لشؤون الأمن والقضايا الدولية، وهذه هي المرة الثانية التي يعمل فيها في هذا المجال لحملة ماكاين الرئاسية بعد عام 2000. وسبق أن عمل مستشاراً لشؤون العراق لدى وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد في عام 2001، كما عمل رئيساً «للجنة تحرير العراق» التي كانت تحث الإدارة الأميركية على إطاحة نظام صدام حسين عام 2002.
تُختَصَر أفكاره بكلمة ألقاها في ندوة بمعهد «بروكينغز» في آذار 2008 عندما قال «لدينا برنامج نووي إيراني علينا توجيهه. ولدينا أنظمة حكم معتدلة تخضع لتهديد إيران في رغبتها بالسيطرة الإقليمية. كما لدينا أمن إسرائيل الذي علينا الاهتمام به». هو مؤيد لتوسيع حلف شمال الأطلسي، وتحدث في منتديات الحملة واللقاءات حول الحاجة للوقوف في وجه التحديات الروسية في التوسع.
قال لإذاعة «أوروبا الحرة»، التي يمولها الحلف الأطلسي، في نيسان 2008، «إذا ما ظن أي شخص أنك بشكل ما ستسترضي الروس بعدم إعطاء جورجيا وأوكرانيا عضوية في خطط العمل، فإننا سنرى في الواقع عبر الرد الروسي بأنه بدلاً من استرضائهم، فقد شعروا بأنهم تشجعوا».
■ روبرت كاغان: من أبرز منظري المحافظين الجدد، وقد عمل في إدارة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية في الفترة من 1984 ــ 1988، ويكوّن مع وليام كريستول ثنائياً يدعو دائماً إلى تطبيق سياسة «الهيمنة المعطاء» القائمة على «الدفع بنشاط نحو سياسات في إيران وكوبا والصين، على سبيل المثال، تهدف إلى تغيير نظام الحكم فيها».
■ ريتشارد وليامسون: شغل مناصب عليا في السياسة الخارجية أثناء فترة رئاسة رونالد ريغان، وجورج بوش الأب والابن. يعمل حالياً مبعوثاً خاصّاً لبوش لحلّ أزمة دارفور منذ 2008، كما يولي اهتماماً كبيراً لكفاءة الأمم المتحدة. وشأنه شأن الكثيرين في فريق عمل ماكاين، يبدو شديد التوجّس من الصعود الروسي بقيادة فلاديمير بوتين.
■ بيتر رودمان: مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الأمن الدولي في الفترة من 2001 ــ 2006، التحق بمعهد «بروكينغز» كباحث متخصص في المنطقة العربية وشرق آسيا. شغل رودمان مناصب رفيعة المستوى في السياسة الخارجية في الإدارات الجمهورية الخمس، بما في ذلك مساعد لهنري كيسنجر. وقد أعرب، منذ أن ترك البنتاغون، عن اهتمامه بنظامي الحكم في سوريا وإيران. يشكّك في جدوى الحوار المباشر مع طهران، التي يرى أن «نظام الحكم الثوري فيها لا يزال في مرحلة الميليشيا». أما بخصوص دمشق، فقد أبلغ لجنة الشؤون الخارجية الفرعية عن الشرق الأوسط في مجلس النواب الأميركي بأنه «لا توجد شروط لتحسين العلاقات مع سوريا ما دامت السياسات السورية بقيت عدائية لمصالحنا الهامة في الشرق الأوسط».
■ دوغلاس هولتز ــ إيكين: مستشار كبير لشؤون التخطيط لدى ماكاين، وهو اقتصادي معروف ومدير سابق لمكتب الميزانية في الكونغرس، وهو منصب أهّله ليصبح كبير الاقتصاديين في المجلس الاقتصادي في البيت الأبيض لمدة 18 شهراً.
■ نيكول والاس: عملت كمديرة للاتصالات في حملة بوش الابن في 2004. وهي محللة سياسية لشبكة «سي بي إس» التلفزيونية. استقالت بعد ذلك للعمل في حملة ماكاين في أيار الماضي.
■ تشارليس بلاك: يُعدّ من أكثر الخبراء الاستراتيجيين الجمهوريين خبرة في واشنطن، عمل في كل الحملات الانتخابية منذ الثمانينيات، وخدم في البيت الأبيض مع رونالد ريغان وجورج بوش الأب. لكن بلاك لديه وظيفة أخرى هي رئيس مجلس إدارة شركة BKSH لأعمال اللوبي في واشنطن. ومن بين أبرز زبائن هذه الشركة، شركة المرتزقة الأميركية «بلاك ووتر»، و«جنرال إليكتريك»، و«المؤتمر الوطني العراقي» بزعامة أحمد الجلبي.
■ ريك ديفيس: مدير حملة ماكاين الانتخابية. وهو أحد أصحاب شركة «ديفيس مانفرد وفريدمان» لأعمال اللوبي. وكان قد أدار حملته الانتخابية الفاشلة عام 2000، وكان نائباً لمدير حملة روبرت دول لانتخابات الرئاسة في عام 1996. وكان قد عمل مساعداً لريغان في البيت الأبيض.
■ مارك سالتر: عمل مساعداً لماكاين في الشؤون التشريعية في مجلس الشيوخ في عام 1989 وانتقل إلى مساعد إداري له عام 1993، وشاركه في تأليف كتبه الخمسة، وهو كاتب خطبه ويعرف معظم دقائق حياة ماكين.
■ ستيف شميدت: كان مديراً للحملة الانتخابية لحاكم كاليفورنيا أرنولد شوارزينيغر عام 2006، وقبل ذلك نائباً لأحد مساعدي بوش ومستشاراً لنائب الرئيس ديك تشيني. ومن بين صلاحياته ملفات الاتصالات واختيار المرشحين لقضاة المحكمة العليا إذا نجح ماكاين. وشميدت كان كبير الاستراتيجيين في حملة إعادة انتخاب بوش، كما عمل مديراً للاتصالات للجنة القومية للحزب الجمهوري.
■ فيليب غرام: من أقرب المستشارين المقربين من ماكاين. بقي طويلاً مستشاره الاقتصادي الأول، وهو عضو سابق في مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس. وتعززت صداقتهما أثناء حملة غرام الفاشلة لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 1996.
■ جون ليهمان: وزير البحرية السابق في عهد ريغان عام 1982، وعضو لجنة التحقيق المستقلة في هجمات 11 أيلول.


خطاب لوس أنجلس

يعلّق المحللون أهمية كبيرة على خطاب جون ماكاين عن السياسة الخارجية، الذي ألقاه في لوس أنجليس في 26 آذار 2008، ويصفونه بأنه منسجم مع إيمانه بتعدد العلاقات مع الدول التي تنتهج الأسلوب نفسه، إلى جانب الدور المركزي الأميركي في قيادة حملة الترويج للحرية والأمن العالميين. أما الآخرون من أمثال رئيس تحرير مجلة «نيوزويك» فريد زكريا، فيرى أن الخطاب كان دالاً على حالة من «انفصام الشخصية» في السياسة الخارجية لماكاين، بسبب دعوته إلى إخراج روسيا من مجموعة الثماني الصناعية.
من جهته، يرى الأستاذ الجامعي دوغلاس سي فويل، أنّ الخطاب يمثّل تأكيداً على جوهر إيمان ماكاين بالمحافظين الجدد، فهو «يتحدث عن نزعات المثالية مع الواقعية، ولكنه لا يزال يتحدث عن الله ومصير أميركا، الأمر الذي يُعدّ من ماهية المحافظين الجدد».
وفي الخطاب نفسه، كان ماكاين واضحاً في خوفه من «الظاهرة الإسلاميّة» قائلاً «هذا مركز التهديد في زمننا، ويجب أن نفهم مضمون قراراتنا من حيث كل سبل التغييرات الإقليمية والعالمية بما تعكسه على نجاحنا في التغلب عليهم».