مع تصاعد الصراع بين روسيا والولايات المتحدة، الذي انطلق من جورجيا، بدأت تخرج تحذيرات أميركية من مخاطر استعداء موسكو، وتأثير ذلك على النفوذ الأميركي العالمي، ولا سيما أن روسيا بدأت فعليّاً تحركات في هذا الخصوص
واشنطن ــ محمد سعيد
نصح مسؤولون أميركيون سابقون إدارة الرئيس جورج بوش عدم تصعيد مواقفها وإجراءاتها ضد روسيا إلى مرحلة جديدة من العداء، وأعربوا عن خشيتهم من أن تقدم روسيا «الجريئة والمستعدة على استخدام نفوذها وأموالها ومواردها من الطاقة وحق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به في مجلس الأمن وصناعتها للأسلحة» على تقويض المصالح الأميركية في العالم. وأشاروا خصوصاً إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد يحمل قائمة مشتريات أسلحة متطورة من موسكو.
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن قائمة المشاكل التي قد تسبّبها روسيا للولايات المتحدة تمتد إلى أبعد من سوريا وجبال جورجيا. فإلى جانب سباق مبيعات الأسلحة إلى الدول المناهضة للسياسة الأميركية، يخشى صنّاع السياسة والخبراء الأميركيون تجميداً للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ومنع التسريب النووي، والتلاعب بكميات النفط والغاز في الأسواق، والضغط على القواعد العسكرية الأميركية في وسط آسيا، وانهيار جهود تمديد اتفاقيات مراقبة الأسلحة المعمول بها منذ عصر الحرب الباردة.
وقالت المديرة السابقة لقسم روسيا في مجلس الأمن القومي، أنجيلا ستينت، «من السخرية أنه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت هناك خشية دائمة من أن تصبح روسيا مخرّبة، ويمكننا أن نرى ذلك يتحقق اليوم».
ورأى الأستاذ في جامعة ستانفورد وكبير مستشاري الشؤون الروسية للمرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما، مايكل ماكفول، أن روسيا على ما يبدو تنوي «إعاقة النظام العالمي»، ولديها القدرة على النجاح. وأضاف أن «الاحتمال كبير، لأنه في نهاية الأمر، هم المسيطرون في تلك المنطقة لا نحن، وهذا واقع».
ويرى الخبراء أن روسيا قد تعوق عمل الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ليس فقط في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، بل بشأن العديد من المسائل الأخرى. وقال المستشار الاستراتيجي السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بيتر فيفر، «إذا شعرت روسيا بالغضب، فهي قادرة على إيقاف أي نوع من التصرفات العقابية».
وعبّر بعض الدبلوماسيين المخضرمين عن خشيتهم من أن يتطور الوضع ليصبح خارج السيطرة. وقال نائب وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، ستروب تالبوت، إن «الاعتداء ليس سياسة. القلق ليس سياسة. النقمة ليست سياسة. وعلى الرغم من أن الاعتداء والقلق والنقمة صفات مناسبة في الوضع الحالي، إلا أنه يجب عدم استبدال السياسة بها، ويجب عدم اعتبارها استراتيجية».
ويرى الخبراء الأميركيون أن خيارات الولايات المتحدة للضغط على روسيا ضئيلة مقارنة مع قائمة الخيارات الروسية. وقالت المحللة في مؤسسة «كارنيغي للسلام»، ماشا ليبمان، إن «هناك الكثير» مما تحتاج إليه الولايات المتحدة من روسيا، لا العكس. وعلى سبيل المثال لا الحصر، الجهود لتأمين الأسلحة النووية السوفياتية القديمة، وجهود الحرب في أفغانستان وإرغام إيران وكوريا الشمالية على التخلّي عن برامجهما النووية. وأضافت أن روسيا في هذا المجال «تملك كل الثقل».
ويسود الاعتقاد في واشنطن بأن الخطوة التالية لروسيا، والتي تمثّل «كابوساً»، قد تكون المطالبة بالسيادة على شبه جزيرة القرم لتأمين الوصول إلى البحر الأسود، الأمر الذي يتطلب التدخل في أوكرانيا وتشجيع حالة الانقسام المجتمعي.