تشيني إلى جورجيا... ومجلس الدوما يؤيّد استقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا بدأت روسيا بتنفيذ خطوات أكثر عملية في إطار قرارها مواجهة الغرب، بعد تأييد مجلس الدوما الروسي استقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وإعلان موسكو استعدادها التام لوقف تعاونها مع «الأطلسي» إلاّ في أفغانستان تقدمت روسيا خطوة إضافية في خيار المواجهة، الذي اعتمدته في صراعها مع الغرب؛ فبعد أيام على إعلانها تجميد علاقاتها مع حلف الأطلسي، أكمل الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف هذه الحلقة بإعلانه استعداد بلاده لقطع كل العلاقات مع الحلف، مع الحرص على عدم تدهورها، والمحافظة على القدم الروسية في أفغانستان، في وقت كان فيه رئيس الوزراء فلاديمير بوتين واثقاً بتفكيره في الانسحاب من بعض الاتفاقات مع منظمة التجارة العالمية، مستبقاً التهديدات الغربية بتجميد عملية انضمام موسكو إليها.
إلّا أن الطعنة الكبرى، تمثّلت في موافقة مجلس الدوما الروسي على استقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ما يعدّ رداً مباشراً على اعتراف الغرب باستقلال كوسوفو رغماً عن روسيا. فما كان من واشنطن إلّا الرد بتجميد اتفاق نووي مع روسيا، وإرسال نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى جورجيا الأسبوع المقبل.
وأعلن مدفيديف أن «بلاده مستعدة لقطع العلاقات مع حلف شمالي الأطلسي، إذا لم يعد الأخير راغباً في التعاون معها. ذلك لن يؤثر كثيراً علينا». إلا أنه دعا الدول أعضاء الحلف إلى «منع تدهور العلاقات». وأضاف: «شهدنا تدهوراً مفاجئاً للعلاقات ولسنا مسؤولين عن ذلك»، متهماً الحلف «باتباع سياسة الكيل بمكيالين». أما ردّ الحلف فكان مختصراً، إذ رأى أن العلاقة مع روسيا تستند إلى مدى التزامها بخطة وقف إطلاق النار في جورجيا.
أما إيضاح هذه المواجهة التي اختارتها روسيا مع الغرب، فجاءت على لسان نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الجنرال أناتولي نوغوفيتسين، الذي قال إن «موسكو لا تنوي قطع العلاقات مع الأطلسي في المسائل المرتبطة بأفغانستان»، مؤكداً أنه «مرة أخرى، الجانب الروسي لن يغلق باب التعاون».
وفي سياق حملة المقاطعة، أعلن بوتين أن «بلاده تفكر في الانسحاب من بعض الاتفاقات التي يُتَفاوَض عليها في إطار مشروعها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية». وقال نائب رئيس الوزراء الروسي إيغور شوفالوف: «نقترح مواصلة المفاوضات في إطار مجموعة العمل من أجل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وإبلاغ الشركاء ضرورة الخروج من بعض الاتفاقات التي تناقض حالياً مصالح روسيا». وأشار إلى أن الاتفاقات المذكورة تتعلق «بالرسوم على الخشب وبعض الرسوم الجمركية، بينما تحدث بوتين عن القطاع الزراعي».
وكان لافتاً أمس لقاء مدفيديف مع نظيره المولدوفي فلاديمير فورونين في مدينة سوتشي الروسية، ولا سيما أن مولدافيا تضم إقليماً انفصالياً موالياً لروسيا. وشدّد مدفيديف على «وجود فرص جيدة للتسوية في بريدنيستروفيه». وأشار إلى «تطور العلاقات التجارية ـــــ الاقتصادية بين روسيا ومولدافيا في الفترة الأخيرة بشكل لا بأس به».
أما الخطوة الأبرز التي أثارت ردود فعل غربية عديدة، فتمثلت في تأييد مجلس الاتحاد الروسي الاعتراف بجمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين، إذ اعتمد أعضاء المجلس بالإجماع إعلاناً يدعو «الرئيس الروسي إلى الاعتراف باستقلالهما خلال جلسة استثنائية». وقال رئيس مجلس الاتحاد، سيرغي ميرونوف: «احترمت روسيا مدة أكثر من 15 عاماً وحدة أراضي جورجيا»، مضيفاً: «اليوم، بعد اعتداء جورجيا على أوسيتيا الجنوبية، لم تعد العلاقات كما كانت عليه».
ودعا المجلس الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة والمنظمات البرلمانية الدولية، إلى تأييد الاعتراف بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية دولتين مستقلتين.
من جهته، قال الرئيس الأبخازي سيرغي باغابش: «لن تعيش أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بعد اليوم في دولة واحدة مع جورجيا».
أعقب هذا القرار مجموعة من ردود الفعل، فالرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي حذر من أن «اعتراف روسيا بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، سيكون محاولة لتغيير حدود أوروبا بالقوة، وستنجم عنها عواقب كارثية». فيما رأى الوزير الجورجي المكلّف إعادة دمج جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين، تيمور ياكوباشفيلي، أنه «لا أهمية حقيقية لدعوة البرلمان الروسي إلى الاعتراف باستقلال هاتين الجمهوريتين»، موضحاً أن «اعتراف روسيا بهذه الأراضي سيكون محاولة لتشريع نتائج التطهير العرقي».
الردّ الغربي جاء في صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، التي ذكرت أن «دبلوماسيين أميركيين أكدوا أن إدارة الرئيس جورج بوش تتجه إلى تعليق العمل باتفاق نووي بالغ الأهمية مع روسيا بسبب الأزمة التي فجرتها الأخيرة مع جورجيا».
هذا فضلاً عن إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية براين وايتمان أن روسيا «لا تحترم حتى الآن بنود اتفاق وقف إطلاق النار» مع جورجيا، «مع مواصلتها الإبقاء على وجود عسكري كبير». كما وصفت واشنطن تصويت البرلمان الروسي بالعمل «غير المقبول».
في السياق، أعلن البيت الأبيض أن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني سيزور جورجيا بداية الأسبوع المقبل، في خطوة جديدة لدعمهما بعد حربها مع روسيا.
ميدانياً، قال نوغوفيتسين إن «قوات حفظ السلام الروسية تسيّر دوريات في مدن جورجية في إطار الاتفاق المعقود بين الرئيسين مدفيديف و(الفرنسي نيكولا) ساركوزي، فيما تخطط جورجيا لإدخال وحداتها العسكرية إلى مناطق تتولى قوات حفظ السلام الروسية المسؤولية فيها».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)