أرنست خوري الجميع تقريباً فرحوا بقرار المرشّح الديموقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما، تعيين السيناتور جوزف بايدن نائباً له في حال وصوله إلى البيت الأبيض. الجميع من ضمنهم هيلاري كلينتون والمرشّح الجمهوري جون ماكاين. لكن أوباما باختياره بايدن، نغّص على الأتراك راحة بالهم. فالأخير بالنسبة إلى «المصالح الاستراتيجية التركية»، قد يكون أسوأ اسم على الإطلاق، وهو ما عكسته الصحف التركيّة الصادرة في اليومين الماضيين.
واللافت أنّ جميع تلك الصحف، الليبراليّة واليسارية والعلمانية والإسلامية، توحّدت حول الموقف نفسه: أصبح الكابوس واقعاً.
امتعاض الأتراك، حكّاماً ومعارضين، من تسمية بايدن في منصبه المحتمَل، مبرَّر تماماً من وجهة نظر «الايديولوجية التركية» إذا ما عاد المتابع إلى أرشيف الرجل في «معاداته» مصالح أنقرة طيلة مسيرته السياسية منذ 3 عقود في الكونغرس.
فببساطة، مواقف بايدن في جميع الملفات التي تعني تركيا، مناقضة للخطاب الرسمي في أنقرة الذي لم يختلف بين إسلاميين معتدلين وقوميين علمانيين.
في «الإبادة الأرمنيّة» أولاً، لم يترك سيناتور ديلاوار مناسبة إلا وأعرب فيها عن حماسته لتبنّي بلاده موقف أرمينيا بتأكيد حصول «إبادة» ارتكبها العثمانيون بحقّ الأترك عام 1915. وهو استغلّ موقعه كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس ليتقدّم بالمشاريع لقوننة الموقف. وآخر محاولاته كان في العام الماضي حين سبّب أزمة دبلوماسيّة بين واشنطن وأنقرة. هي واحدة من النقاط التي أغاظت الصحف التركية التي لم تنسَ التذكير بأنّ السيناتور الستيني «تسيطر عليه جماعات ضغط أرمينية ويونانية»، يتقدّمها السيناتور المتنفّذ بول سربانيس ذو الأصول اليونانية، على حدّ ما ذكرته «توركيش دايلي نيوز» و«ملييت» التي عنونت صفحتها الأولى «أوباما يختار حليفاً للوبي الأرميني ــ اليوناني».
كذلك حال بايدن مع النزاع على قبرص التركيّة، حيث لم يفت «حرييت» إعادة نشر حرفيّة حديث دار بين المرشّح لنيابة أوباما والرئيس السابق للحكومة التركية بولنت أجاويد على صفحتها الأولى تحت عنوان عريض «خطوة متهوّرة». وقد جرى الحديث بين المسؤولَين عام 1999 وتخلّله تهديد واضح من بايدن: «إذا لم تحلّوا قضية الجزيرة المقسّمة فسأحرمكم مساعدتنا البالغة 5 مليار دولار»!
وإحدى أكثر النقاط التي تدفع بالأتراك إلى التنذّر من قرار أوباما، هي حقيقة أنّ بايدن هو صاحب مشروع تقسيم العراق إلى 3 مناطق، إحداها للأكراد، وهو ما دفع بصحيفة «ستار» إلى عنونة عددها الصادر يوم الأحد «تقسيمي شريك لأوباما». أما «يني شفق» فرأت بدورها أنّ «اليد اليمنى لأوباما قسّم العراق إلى 3 قطع».
ولم تقتصر تصرّفات بايدن «المعادية» لتركيا على المواقف السياسية، بل وصلت إلى حدّ سعيه إلى عرقلة جميع صفقات الأسلحة الأميركية ــ التركية، كما حصل عامي 2003 و2005 مثلاً.
أمّا وأنّ تعيين بايدن في منصبه أصبح حقيقة لا فائدة في تجاهلها، فإنّ المهمّ بات معرفة كيف سيتعاطى حكّام أنقرة مع الواقع الجديد، وخصوصاً أنّ استطلاعات الرأي الأخيرة عادت لتعطي أوباما تفوّقاً ولو طفيفاً على ماكاين من ناحية حظوظ الفوز في 4 تشرين الثاني المقبل.
التصوّر المستقبلي كشف عنه النائب عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم سوات كينيكلي أوغلو، الذي أشار لصحيفة «زمان» الى أنّ حزبه سيرسله إلى واشنطن في تشرين الأول المقبل ليجري اجتماعات مع معسكري الديموقراطيين والجمهوريين قد تكون توطئة لتنظيم مسبق للعلاقات بين الإدارة الأميركية المقبلة وحكومة بلاده.
وحتّى كينيكلي أوغلو لم يستطع إخفاء «مفاجأته» من تعيين بايدن، «فمن الصعب أن يكون المرء سعيداً نظراً إلى تاريخ بايدن الممتدّ على عقدين في مناصرة قضايا الإبادة الأرمنية مثلاً».
ولم يبقَ للنائب عن الحزب الحاكم سوى التشديد على دور المنظّمات غير الحكومية ووسائل الإعلام ورجال السياسة للضغط على فريق عمل أوباما «قبل وصولهم إلى البيت الأبيض لا بعد ذلك».