أجرى الحوار: أرنست خوري
جدول أعمال رئيس المفوّضية الأوروبيّة في بيروت باتريك لوران في الأيّام الماضية كان متخماً بالمواعيد. فهو أحد أبرز الضالعين في مشروع «الاتحاد من أجل المتوسّط». «الأخبار» التقته بين زحمة مواعيده. لقد وُلِد الاتحاد بسلامة أمس، وحان وقت العمل لا الراحة

كيف يمكن لبلد صغير بموارده وإمكاناته كلبنان أن يستفيد من مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط»؟
- لبنان دولة مؤسسة لـ«مسار برشلونة»، وله قدرات فائقة على صعيد نوعية ثروته البشرية، وهي تفوق إلى حدّ بعيد معدل ما تملكه بقية الدول المتوسطية الجنوبية. فمن الطبيعي أن يتمكن من الاستفادة من «مسار برشلونة»، واليوم من «الاتحاد من أجل المتوسط». لكن، لكي يستفيد، على الدولة اللبنانية أن تطوّر نفسها لتصبح قادرة على مجاراة متطلبات التعاون مع الدول المتوسطية الشمالية خصوصاً، وحتى المجاورة للبنان.

سبق أن رأيتم أن لبنان لم يحقّق الكثير على صعيد دولة القانون. ما هو المطلوب تحديداً من لبنان؟
- دولة القانون تعني إيجاد إطار قانوني لجميع النشاطات البشرية، بدءاً من محاربة الفساد وتعزيز القضاء وتحرير النشاطات الاقتصادية وتعزيز المنافسة واستحداث رقيب إداري لحل النزاعات الإدارية. يمتد الموضوع أيضاً إلى أن يكون للدولة شرطة منظمة تتعاطى مع التظاهرات الشعبية من دون اللجوء إلى العنف، وأن يكون لديها جيش وطني يثبت استقلال البلد وسيادته، وجميع هذه الأوجه يحتاج لبنان إلى الحد الأدنى منها للاستفادة من إطار التعاون المتوسطي.
فلبنان على سبيل المثال، لم يسمِّ يوماً ممثلاً له في مسار برشلونة، أي سفيراً مهمته الربط بين الدولة اللبنانية والاتفاقيات المتوسطية لتطبيقها داخل الإدارة اللبنانية. حاولت بيروت إيكال هذه المهمة إلى سفيرها لدى بروكسل، ونتيجة ذلك الخيار ليست كما لو سُمّي سفير مختص بالشراكة الأوروبية. سبق وحدّدنا في إطار سياسة الجوار الأوروبية برنامج عمل للبنان، واتفقنا على عقد يحدّد مجموعة إصلاحات تدريجية. ومنذ تعييني في منصبي في عام 2006، ألّفنا مع السلطات اللبنانية جميع اللجان التقنية: لجان حقوق الإنسان والنفقات العامة والبيئة والاقتصاد. بدأت اللجان العمل فعلاً، إلا أنه نتيجة الظروف السياسية غير المناسبة في لبنان، فقد توقفت آلية العمل. وفي هذه المرحلة، لبنان متأخر مقارنة بجيرانه المتوسطيين، المغرب وتونس والأردن مثلاً، لأن هذه الدول سعت لتطبيق الإصلاحات. لكن بما أن البيئة اللبنانية معقدة جداً ولا وجود لحكومة قوية، فهذه الحكومة تعجز عن مسك اليد التي نمدّها إليها لتطبيق هذه الإصلاحات.
وفي المرحلة الحالية، نحاول العودة إلى المرحلة السابقة، أي التعاون الإقليمي، لكن الجديد هو اعتمادنا على تمويل القطاع الخاص. باختصار، لبنان قادر على الاستفادة من الاتحاد من أجل المتوسط، لكن بشرط أن يريد ذلك وأن يسعى إليه. فلبنان هو الدولة الوحيدة التي تملك بنية ديموقراطية بين دول المتوسط المجاورة له. ليس لديكم ملك ولا نظام ديكتاتوري، عندكم ديموقراطية، لكنها غير فعالة لأنها توافقية، وديموقراطيتكم ليست حكم الشعب.

لكن أيضاً هناك ما تسمّونه مشكلة حزب الله. كيف سيكون في الاتحاد المتوسّطي عضو من بين الأعضاء الـ44 فيه ما تصفونه بأنه ميليشيا مسلَّحة مشاركة في الحكومة والبرلمان؟
- حزب الله كان موجوداً في ربيع عام 2006 عندما فاوض الاتحاد الأوروبي برنامج العمل مع لبنان. إذاً حزب الله يتصرف أيضاً كحزب سياسي. لحزب الله وجوه عديدة، والحزب هو مرحلة انتقالية. يجب أن يتحوّل لبنان إلى أمة، فهو اليوم ليس أمة. إنه مجموعة طوائف. ولكي يتحوّل إلى أمة، يجب أن يكون اللجوء إلى السلاح محصوراً بيد الدولة. إذاً من الواضح أن لبنان بحاجة لوضع استراتيجية دفاعية يكون فيها سلاح حزب الله ركيزة ونواة في الجيش اللبناني. يجب الدخول في آلية ذوبان حزب الله داخل الجيش. لكن هذا ليس جوهر الاتحاد من أجل المتوسط.

هل يمكن أن يكون لبنان عضواً في الاتحاد إذا بقي حزب الله مسلّحاً؟
- هذا لا يمثّل مشكلة لنا.

لكن سيكون لإسرائيل مشكلة مع الموضوع؟
- هذا يُحَلّ بالتعاون في مشاريع اقتصادية واستثمارية ملموسة عابرة للمتوسط، وخطوط بحرية تتعلق ببناء طرق بين الدول المتوسطية...

إذاً تنوون ترك القضايا الخلافية بين الدول لتُحلّ على الأمد الطويل؟
- يجب دائماً البدء بالقضايا الأسهل للوصول إلى المشكلات الكبيرة، والخطأ في الشرق الأوسط هو السلوك عكس هذا. نحن في أوروبا فعلنا هذا عند تأسيس الاتحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية. كانت لدينا مقاومة أيضاً، لكننا وضعنا نصب أعيننا المواضيع الاقتصادية والتعاون الاقتصادي أولاً، وتوصلنا إلى حل الخلافات الكبيرة تدريجياً.

كشفتم أن أعضاء الاتحاد من أجل المتوسط سيكونون متساوين في القرار والمسؤوليات. عن أي مساواة تتحدثون، وخصوصاً أن عدداً من الدول العربية في الاتحاد فقيرة للغاية، في المقابل، معظم دول شمال الأطلسي من بين الأغنى في العالم؟
- غالبية الدول العربية المتوسطية ليست من بين الأفقر. معظمها تُصنّف بين الدول ذات «المستويات المتوسطة» اقتصادياً. ففي لبنان، معدل الدخل الفردي 4 آلاف دولار لا 400 دولار. ستكون الدول جميعها متساوية داخل الاتحاد المتوسطي، تماماً كما سيكون لكم فرص متساوية مع الآخرين في اقتراح الأفكار والمشاريع وتنفيذها من خلال تحريك القطاع الخاص ورجال الأعمال. تعرفون أن هناك رجال أعمال لبنانيين يملكون قدرات كبيرة في الخارج. فهناك نموذج كارلوس غصن مثلاً، وهو اليوم رئيس مجلس إدارة شركتي «رينو» و«نيسان». لماذا هؤلاء نجحوا في الخارج لا في لبنان؟ لأنهم استطاعوا إدارة أعمالهم متحررين من جميع القيود التي قد تواجههم في لبنان. عالم الأعمال في لبنان آلة تعيقها العراقيل.
على اللبنانيين أن يفهموا أن القدرات الفردية التي يملكونها أكبر من القدرات الموجودة عند جميع جيرانهم. فمعدل ذكاء اللبنانيين أعلى مما هو موجود عند باقي الدول المتوسطية. هذه هي الحقيقة. لكن الأداء الجماعي في لبنان أدنى مما هو في الدول المتوسطية الأخرى، لأن لديكم الطائفية مثلاً وهي عائق كبير. يجب ألا تمنع هذه العراقيل لبنان من الاستفادة من التعاون المتوسطي لأنه سيكون لمصلحته.

إذاً ستكون هناك أولوية للقطاع الخاص داخل الاتحاد المتوسطي على حساب الدول؟
- ليست أولوية بل أسلوب حديث سنحاول ابتداعه عبر تحريك القطاع الخاص والاعتماد عليه، وهو في لبنان مبدع وديناميكي. وأنا واثق من أن الممولين اللبنانيين سيشاركون بفعالية في المشاريع الكبيرة المتوسطية.

كيف يمكن لأي منظمة أن تضم دولاً لا تقيم علاقات دبلوماسية؟ على الأقل لبنان وسوريا ليسا فقط مختلفين مع إسرائيل، بل أعداء معها؟
- هذا هو هدفنا، جعل الناس، حتى الأعداء منهم، يعملون سويّاً.

للوصول إلى هدفكم، هل ستكون هناك مشاريع ملموسة أو فقط عبر الضغط السياسي؟
- سنقوم بمبادرات ملموسة، وسنعتمد خصوصاً في هذا المجال على المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً على رجال الأعمال. بالنسبة لنا نحن الأوروبيين، رجال الأعمال هم الذين كانوا محرك اندماجنا الأوروبي وإسقاط الحواجز بين دولنا. فعلى سبيل المثال، إذا حاول رجل أعمال لبناني القيام باستثمار، فسيجد أن السوق اللبنانية ضيّقة للغاية، وسيبحث عن سوق أوسع. الهدف هو إقناع الجميع بأن المتوسط هو كيان ثقافي يجب على أهله العمل معاً.

هل نفهم أنكم ستحاولون صنع السلام بين العرب وإسرائيل من خلال عالم الأعمال؟
- نعم، إنها صياغة جيّدة.

ألا يمكن وصف مشروع الاتحاد بأنه مشروع الرئيس نيكولا ساركوزي، بما أن مسار برشلونة نام منذ 1995 ولم يبصر النور إلا في عهده؟
- مسار برشلونة لم يكن نائماً. فقد الفعالية السياسية، لكنه عَرف عملاً مهماً وجيداً. ما يسعى الاتحاد المتوسطي إليه حالياً هو تقديم دفع سياسي من خلال الرؤساء والزعماء الـ44، وهو ما سيبدأ في قمة باريس وسيتكرر كل سنتين على مستوى الرؤساء. السمعة هي للرئيس ساركوزي حالياً، لأنّ بلاده ترأس الاتحاد الأوروبي، لكن بعد 6 أشهر ستنتقل الرئاسة إلى سلوفينيا مثلاً.

إذاً لماذا ثارت اعتراضات ألمانيا وإسبانيا ولم تبديا حرارة تجاه المشروع؟
- لأنه في البداية، كان فريق عمل ساركوزي لا يفهم كيف يعمل مسار برشلونة. مرّ أعضاء هذا الفريق بآلية تعلّم كيف يجب العمل، وفهموا أنّ الموضوع أورو ــــ متوسطي لا فرنسي ــــ متوسطي.


دبلوماسي أوروبي، لكنّه فرنسي أيضاً. طباعه الهادئة تظهر ذلك بسرعة. عمل منذ سنوات في دول متوسّطيّة كوّنت له فكرة شاملة عن تفاصيل بلدان معظمها استعمرتها بلاده. منذ 2006 وهو يشغل منصبه ويبدو مرتاحاً له. يكفيه أنّ عهده شهد ولادة المشروع المتوسّطي